|
ثقافة فالمثقف العربي الذي طرح نفسه كصاحب رسالة، كداعية إلى غد أفضل وأجمل فقد حتى الإيمان بإمكانية مهنته وكل ما جناه من معاركة الواقع المعاش، حمل طعم المرارة والخيبة وأمام تراكم المشاريع الفاشلة والتجارب المحيطة مثل الحلول الاستسلامية للقضية الفلسطينية وغيرها، فقد رأى هذا المثقف العربي أن ينكس رأسه مع رايته التبشيرية وأن يختار الصمت، لأنه يرى في الكتابة وهو مخترق من قبل الهيمنة الأمريكية والصهيونية عديمة الجدوى فهو إما أن يمدح السلطة أو قوات الاحتلال أو يقرأ ولا يكتب.. وهكذا نجد أن بعض المثقفين العرب طرح أكثر من سؤال وأثار أكثر من نقاش فبعضهم يرى أن الصمت هو استسلام مؤقت أمام وطأة واقع لا يقهر، وبعضهم الآخر رأى فيه عودة نهائية إلى الانعزال عن السياسة، في حين ذهب فريق ثالث إلى تأويل هذا الصمت على أنه تعبير عن شعور المثقف بأن مهمته قد أنجزت.. والسؤال هو: هل يعني صمت المثقفين العرب العودة إلى الانعزال عن السياسة؟ الواقع أن صمت المثقفين العرب قد اقترن اليوم بإدانة الشعار الذي طالما عبأ الطاقات في الأمس، الشعار القائل (كل شيء سياسة) فعندما يكون كل شيء سياسة، فإن ملكة المثقف الكلية تكون مدعوة للتدخل، لاتخاذ مواقف لتحديد خيارات، لكن عندما لا يعود كل شيء سياسياً فإن تدخل المثقف لا يعود مبرراً في جميع الأحوال وبالمقابل فإن صمته يصبح مبرراً بسهولة.. - إن المثقفين العرب هم حملة مثل عليا كلية (العدالة - الحرية) يعارضون فيها الواقع التاريخي المتسم دوماً بالخصوصية وعدم الكمال، فهل يعني صمت المثقفين العرب أن المثل الأعلى قد تحقق وأن العقلانية قد أصبحت أخيراً واقعاً..؟ - فالكتبة لا يغدون مثقفين إلا مرغمين إلا تحت ضغط مصاعب العصر ومشكلاته ومنها مغازلة السلطة الحاكمة.. ولنا أكبر الأمثلة في خيبة المثقفين الذين عجزوا عن النهوض بمهمتهم (النبوية) في أوروبا بحجة أن ثورة 1789 في فرنسا تمخضت عن حكم استبدادي ذهب بعض المثقفين الفرنسيين إلى إدانة فلاسفة الأنوار، ولأن الثورة السوفيتية أوجدت معسكرات العمل الاجباري، حمل (ريمون آروت) على المثقفين الروس الذين خانوا وطنهم وخانوا رسالتهم كدعاة إلى الحكمة العقلانية عندما جندوا أنفسهم من أجل تفجير الثورة البلشفية، ومع تدهور رصيد الاطروحات الماركسية ذهب مفكرون ومثقفون إلى التشكيك في إمكانية معارضة العقل وهم (هوركها يمر وأدورتو) معتمدين على المقولة (كلما عظم شأن العدالة، تضاءل شأن الحرية).. هذه أمثلة تميز بها مثقفو أوروبا وهي كثيرة، إذاً ماذا على المثقف العربي اليوم..؟ عليه أن يقول كلمته الحق في سبيل وطنه وأمته العربية التي مازالت هويتها القومية مهددة بالضياع نتيجة الغزو الأمريكي للعراق العربي واحتلال فلسطين والجولان ومزارع شبعا والعدوان على لبنان.. لماذا هذا الصمت الذي يثير الدهشة من قبل بعض المثقفين العرب..؟ هل يخافون كل حسب خصوصيته؟ أم نسيانهم لعروبتهم وقيمها الأصيلة..؟ والحقيقة كما تراها في هذا الزمن العربي الرديء أن بعض المثقفين العرب قد زاروا اسرائيل وتوقفت أقلامهم عن الكتابة عن وعد بلفور السيئ الصيت فتخلوا عن صورتهم الحقيقية وحلت محلهم صورة المفكر الساعي وراء تجميل الزمن حول حاضر سرمدي إن صمت المثقفين العرب يذكرنا بقول الشاعر (بودلير): «عبثاً أبحث بين هذه الوردات الباهتات عن زهرة تشبه لوني الأحمر المثالي». أكاديمي وكاتب عراقي |
|