|
قضايا فكرية وللأسف أن هؤلاء تعودوا إطلاق الأجوبة فقط.. الأجوبة الجاهزة والمفبركة المعدة مسبقاً وعلى إيقاع واحد, وفي اتجاه واحد. من محاولة اغتيال مروان حمادة.. إلى اغتيال جبران تويني -وإلى ما بعد جبران كما هو متوقع- لم تتغير طبيعة التعامل مع الأحداث, ظلت الأجوبة جاهزة بصيغة اتهامات موجهة إلى سورية تحديداً. هل فقدوا الأسئلة أم أنه ليس مسموحاً لهم أن يسألوا عن المستفيد من القتل والجهات التي يمكن أن تنفذه ولماذا?! هل لأنهم يجدون الأجوبة جاهزة ومدفوعة الثمن مسبقاً?!يمكن لأي محايد أن يسأل عدداً من الأسئلة يطرحها ظرف الاغتيال.. مع ضرورة أن يأخذ في الاعتبار أن المخابرات السورية خرجت من لبنان نهائياً. وأن من مصلحة سورية اليوم أن تبتعد عن العاصفة اللبنانية بظروفها الإقليمية والدولية, وأن الوقت الذي تم فيه اغتيال جبران كان مدروساً ليرتبط تأثيره بتقرير ميليس الذي كان سيقدم بعد وقت قصير, وأن هذا التوقيت لم يأت مصادفة, وأن القاتل يدرك تأثير عملية القتل على الوضع السوري, والسؤال الافتراضي (هل يمكن أن يفكر السوريون باغتيال التويني, وهم يدركون أن أميركا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل وقوى أخرى ستجعل من اغتيال التويني في مجلس الأمن قميص عثمان لزيادة ذرائع الاتهام, لاستصدار القرارات الدولية التي تضع سورية في قفص الاتهام . ما حدث بعد عملية الاغتيال مباشرة غير اتهام سورية, هو طلب الحكومة اللبنانية بتوسيع صلاحيات اللجنة الدولية لتشمل كل الذين تم اغتيالهم, والمطالبة بمحكمة دولية, وهذان الطلبان لم يأتيا عفو الخاطر كما يبدوان, فهما مدروسان من قبل مع واشنطن, لأن ذلك يضع لبنان تحت الوصاية الدولية ويضع سورية تحت الضغط الدولي والابتزاز الأميركي للمساومة على فلسطين والمقاومة اللبنانية والجولان والعراق. لا شيء يأتي هكذا ببساطة, فالسيناريو في كل مرة يسبق التنفيذ, كما كان الحال في موضوع اغتيال الرئيس الحريري, إذ كانت جوقة المتهمين معدة, والهتافون معدون, والبيانات معدة, والعبارات التي كتبت على اليافطات كانت معدة, وكل ذلك انطلق في لحظة واحدة, فهل كان يمكن أن يكون كل ذلك في وقت قصير لولا أن السيناريو كان معداً من قبل? نعود إلى طرح الأسئلة. إذا كانت سورية من اغتال جبران تويني لماذا لم يكن الاغتيال قبل الآن? لم يكتب جبران تويني مقالاته المعادية لسورية إلا بعد اغتيال الحريري فقط, بل كان جبران هو جبران بما يكتبه وبما يصرح به منذ دخول القوات السورية إلى لبنان, ويظهر على الفضائيات, وكان يجول بين العواصم الغربية عائداً ومنطلقاً من مطار بيروت, وكان هذا المطار تحت حماية القوات السورية, وكانت جريدة النهار تحت حماية القوات السورية, وكل الشوارع التي يمر بها جبران تويني كانت تحت حراسة القوات السورية ولم تكن مقالات جبران تويني أقل حدة, لا بل كانت أكثر تهوراً ومع ذلك لم تقم القوات السورية ولا المخابرات السورية يوماً بالضغط عليه أو بالتضييق على حركته ولم تقم بمساءلته, بل تركته يسرح ويمرح ويكتب. يوم كانت القوات السورية, كانت محطات فضائية لبنانية وعلى رأسها ال: ال بي سي و أم تي في, وإذاعات كثيرة تشن حملات مسمومة على دمشق وجيشها وسياساتها ولو كان منطق دمشق قمعياً لما سمحت بذلك. فلماذا جبران تويني الآن وسورية لم تعد في لبنان? الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية والفرنسية والغربية عامة تملأ لبنان, وتمتلك تكنولوجيا متطورة جداً لا تمتلكها سورية ولن تمتلكها, فلماذا لم تمسك بالقاتل, ولماذا لم تقدم الدليل الحسي على أن دمشق هي التي قامت بفعل جرم القتل?! هم يعرفون جيداً أن سورية لم تمارس الاغتيال من قبل ولم تمارسه في لبنان ولا خارج لبنان ولم ترد يوماً على أحد بأساليب القتل. عروبة لبنان مستهدفة اليوم وذلك بخلق الذرائع لاجتثاث الشرايين التي تربط دمشق ببيروت, والتي تربط لبنان بالعروبة.. أحد كتاب الأعمدة في إحدى الصحف العربية يقول: (يواصل الإعلام السوري بصحفه وإذاعاته وتلفزيوناته شتم جبران تويني ليلا ونهارا وعندما يصفه بأنه عميل فرنسي وأميركي ويعمل لحساب الحركة الصهيونية والمخابرات الإسرائيلية فإنه تحصيل حاصل أن تتوجه الأنظار بمجرد وقوع الجريمة صبيحة الاثنين الماضي الى دمشق وليس الى غير دمشق. كل شيء في الموضوع اللبناني وصل إلى حد الفبركة الكاملة من قبل أميركا وإسرائيل وتعود الاتهامات اليوم ببعد جديد, فراحت قوى الاتهام تسترجع الأمور إلى الوراء لتشمل اتهاماتها مقتل كمال جنبلاط, ورينيه معوض, وبشير الجميل, وتتناسى من قتل رشيد كرامي والقيادات الفلسطينية التي اعترفت إسرائيل بأن الموساد الإسرائيلي قام بها بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة عليها, وأن تشمل أيضا اغتيال قيادات في حزب الله ومحاولة الاغتيال الأخيرة الفاشلة لأحد قياديي حزب الله... أم أن الصمت أو التعمية على ذلك هو المطلوب من هؤلاء الذين يطلقون الأجوبة الجاهزة?!. نسأل, من هي الجهة المخابراتية التي كانت تعلم ساعة وصوله إلى لبنان والطريق التي يسلكها في الصباح إلى عمله?!... بالتأكيد ثمة جهة عليمة بكل ذلك وربما جهة ينسق معها تحركاته طالما أنه كان يعتبر نفسه على قائمة المهددين بالاغتيال, والمخابرات الأميركية والإسرائيلية موجودة في لبنان وبكثافة, نحن لا نقول ذلك بمنطق الاتهام , وإنما بمنطق الوقائع العلمية , لماذا لا تتهم هذه المخابرات, ولماذا يرى بعضهم مثل هذا الاتهام غريبا !! لماذا اتهام إسرائيل غير مبرر أو غير مسموح به لا في لبنان ولا في غير لبنان, أليست من ارتكبت وترتكب جرائم كثيرة ضد أبناء الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة, وفي لبنان وتونس وفرنسا وبلجيكا وفي أماكن متعددة في العالم, ومن المؤسف أنه لم يرتفع صوت اتهام ولا صوت إدانة من هؤلاء ولم يجتمع مجلس الأمن, ولم يتخذ قرارات إدانة, أو يطالب أحد بتشكيل لجان تحقيق, ما حدث أن مجلس الأمن اعتبر النضال الفلسطيني إرهابا, وثبات سورية على مواقفها إرهابا ومطالبتها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية إرهابا وخروجا عن الإجماع الدولي المصاب بالصمت. إذا كان ميليس نفسه لا يستغرب دخول طرف ثالث على خط اغتيال الحريري, لماذا لا يتم التوقف عند هذا الطرف الثالث, ولماذا لا يكون هذا الطرف الثالث وراء كل ما يجري في لبنان إلى الآن?!.. ولماذا لاتخرج أصوات جماعة 14 آذار للمطالبة بمعرفته? * كاتب وصحفي |
|