|
عقاريات وانطلاقا من هذه الحقيقة وهذا الواقع المسكوت عنه سابقا, بدأت الحكومة الحالية والتي سبقتها في البحث عن حلول جدية قادرة على معالجة هذا الملف الذي يؤرق غالبية شرائح المجتمع السوري, وإذا كان قانون الاستثمار العقاري الذي ما زال مشروعا قد شكل البداية ويعد بالكثير فإن بعض الحلول الأخرى التي ولدت مؤخرا لم تتمكن من الصمود طويلا, والمقصود بذلك القرار رقم (180) الذي أصدرته وزارة الإدارة المحلية والبيئة وسمحت بموجبه بإحداث وتشييد الأبنية البرجية والشاقولية, ثم ما لبثت هذه الوزارة أن تراجعت عنه من إصدار قرار حمل صفة ( سري للغاية).. والسؤال الذي أرق ومازال شرائح مختلفة من المجتمع... أين هي الأسباب الجوهرية والمقنعة التي دفعت باتجاه إلغاء العمل بهذا القرار بعد مضي خمسة أشهر على صدوره?! وما يثير حفيظة الكثيرين ليس فقط الإلغاء المباغت للقرار المذكور وإنما أيضا التزام وزارة الإدارة المحلية الصمت عن مثل هذا الإجراء المباغت وعدم تقديم مبررات مقنعة من شأنها إشباع فضول الكثيرين وهو حق مشروع ومثل هذا النمط من السلوك وإدارة الظهر, أسهم وإلى حد كبير في إرباك سوق الاستثمار العقاري مثلما ساعد على إحجام الكثيرين من تجار البناء عن البدء في إطلاق مشروعاتهم العقارية, كما أن هذا الإجراء الذي يفترض أنه يندرج في إطار سياسة الإصلاح السكني يصب في إطار حجب الثقة وعدم الأخذ على محمل الجد ببعض الإجراءات والقرارات الحكومية خاصة وأن صدور قرار السماح بتشييد الأبنية البرجية, كان تسبب في إلحاق الأذى وتكبيد الخسائر لفئة من التجار سارعت بترجمة القرار المذكور, مقابل العودة بالفوائد والأرباح الفلكية والسريعة لعدد من تجار الأراضي, وتوضيحا لهذه النقطة الأساسية والجوهرية في موضوعنا هناك من سارع من تجار البناء إلى شراء مساحات واسعة من الأراضي المعدة للبناء وبأسعار فلكية كون أن القرار المذكور ساعد على ارتفاع أسعار الأراضي في المناطق النظامية ولا سيما أن هؤلاء التجار سارعوا أيضا في الحصول على التراخيص النظامية في البلديات والوحدات الإدارية, وأيضا قاموا بتشييد أساسات هذه المقاسم, وكما ذكرنا كان من البديهي أن الأراضي المعدة للبناء ارتفعت أسعارها كون القرار (180) يسمح بتشييد أبنية برجية تبدأ بعشرة طوابق وتنتهي ب (25) طابقا أي إذا كان تجار البناء قد اشتروا هذه المقاسم والدونمات الشاسعة وبدؤوا في استقبال المكتتبين, فهذا يعني بالضرورة أن الخسائر التي تعرضوا لها بعد إلغاء القرار تكاد تصل إلى حدود الخيال وهؤلاء اليوم في حيرة من أمرهم ومصابون بحالة من الصدمة والدهشة. نعود ونسأل: إذا كنا نشجع ليل نهار ومن خلال المنابر الإعلامية بضرورة تشجيع الاستثمار فهل مثل هذه الآلية في التعاطي من شأنها ضمان جذب الاستثمارات العقارية? وماذا كان يضير السيد وزير الإدارة المحلية والبيئة من تنظيم مؤتمر صحفي للإجابة على الأسئلة التي تستوجب وقف العمل بالقرار (180)?! في كل الأحوال القرار المذكور صدر بتاريخ 11/12 في عام 2005 وكتاب الإلغاء رقم (176) صدر بتاريخ 6/5 في العام الجاري, وهذه الفترة الزمنية التي تفصل ما بين الصدور والإلغاء باتت أكثر من كافية لتقديم المبررات والأسباب خاصة وأن هناك من بدأ يتحدث في السر والعلن, بأن بعض المستفيدين والمتنفذين في الحكومة وأيضا بعض تجار الأراضي دفعوا باتجاه إصدار ذلك القرار ثم العمل على إلغائه بهدف إشباع مصالح فئة تصول وتجول وتسبح في بحر الفساد الذي يكاد يغرق الكثير من المؤسسات الحكومية. ويزداد اليوم إصرار تجار البناء وأكثر من أي وقت مضى على مطالبة وزارة الإدارة المحلية بتقديم إجابات مقنعة حول الأسباب التي أدت إلى إلغاء القرار ونعتقد أن مثل هذه المطالب مشروعة بكافة المقاييس خاصة وأن البعض تسكنه القناعة بأن هذه الوزارة لا تمتلك في الوقت الحاضر مبررات لتبرئة ساحتها من الاتهامات وإشارات الاستفهام, وهذا البعض يتكىء على مجموعة من المعطيات أبرزها أن القرار (180) وحسب ما سبق وجاء في المنابر الإعلامية كان مسبوقا بدراسات فنية معمقة, وهناك بعض اللجان كانت قد تشكلت وعكفت على صوغ الضوابط والشروط التي تسمح بمنح التراخيص,.. وما يثير حفيظة تجار البناء وسواهم من المهتمين في قطاع البناء والتشييد هو أن تجربة الأبنية البرجية لم تر النور بعد, كي يصدر قرار الإلغاء الذي يعني في بعض مايرمي إليه إلى عدم تقيد التجار في الشروط والضوابط المنصوص عليها, وأما في حال حدوث تجاوزات من جانب البعض وهو أمر مستبعد فإنه من غير المقنع العدول بين ليلة وضحاها عن قرار كان يفترض صدوره منذ عشرات السنين. خلاصة الكلام, الأبنية البرجية وفي كل دول العالم والقارات باتت من المنسيات منذ بداية القرن الماضي, وكافة التجارب وعلى وجه التحديد في البلدان ذات الكثافة السكانية العالية استطاعت التخلص من مشكلات السكن انطلاقا من الأبنية البرجية, ومن باب التذكير لا أكثر فإن سكان العاصمة دمشق لم يخسروا نصف مساحة الغوطة إلا بسبب المخالفات السكنية أولا وغياب الأبراج السكنية, وفي حال علمنا أن ما هو معروض من شقق سكنية للبيع والشراء لا يلبي حاجة أكثر من (20) بالمئة من سكان القطر, فهذا يعني أن هناك من لا تأخذه الغيرة على قطاع السكن والإسكان وأيضا يعني أن كل ما يثار حول ضرورة الإصلاح في هذا القطاع ليس أكثر من كلام في كلام!. "> marwanj@ureah.com |
|