تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


طبعة أولى...قصائد ملقاة في ازدحام التفاصيل

كتب
الاربعاء 4/10/2006م
قيس مصطفى

يولي الشعراء الشباب وجوههم,شطر قصيدة النثر,باعتبارها مشروعاً أكثر انفتاحاً من أي مشروع آخر,وبالتالي فإن هذا المشروع الذي يعتبر مضماراً واسعاً للمناورة الشعرية,قادر على أن يستوعب فوضاهم وشغبهم.

ومن المعروف أن جدلاً واسعاً,قد يقوم,حول المصطلح (قصيدة النثر) أو الشعر المنثور كجنس أدبي,وهذا بدوره يثير جدلاً موازياً لحالة الجدل المترافقة بالمصطلح,إذا ما تم تصنيف قصائد هؤلاء الشباب,تحت عنوان قصيدة النثر وبعيداً عن إشكالية التصنيف والمصطلح,نجد أن ظاهرة اتجاه الشباب صوب هذه القصيدة يعتبر تجاوزاً لكل ما هو شعبي وتقليدي في وعي الشعر,وبالتحديد الوعي الشاب للشعر,الذي كانت قد مسته عند البعض,سلفية ما.‏

إنهم ومن جهة اختيارهم لهذه القصيدة,يعيدون ترتيب العالم بالشعر,وفق تصوراتهم بما يضمن جعل الشعر دائماً وأبداً,في حلقتي الاستمرارية والتطور من جهة نظر شابة,غير مخربة,على الأقل بالإيديولوجيا.‏

هكذا إذاً يعملون على ردم الهوة بين الواقع والحلم,ويفجرون اللغة,بما استطاعوا إليه سبيلاً من التجريب.‏

هنا وقفة مع المجموعة الأولى,لشاعر شاب,ذي تجربة مهمة.مقارنة بالشبابي السائد.‏

المجموعة هذه للشاعر محمد رشو.إذ أستطيع أن أقول إن القراءة السريعة التي غالباً ما نتعامل بها,مع مجموعات الشعراء الشباب,غير ناجعة أبداً في حالة هذا الشاعر,ومجموعته عين رطبة,لا بد إذاً من قراءة ثانية,وربما ثالثة إذ إن هذه المجموعة,على الأغلب,تستدعي الانتباه,كتجربة أولى,وتفصح عن شاعر مشاغب,وليس من اليسر أبداً التجوال معه,في رحلته السندبادية,صوب قصيدة,تجعل من اللغة حاجزاً,بينها وبين القارئ,لا باعتبار القصيدة تدخل في غموض ما,بل كونها لغة تتطلب حسابات ذهنية عالية,لإيجاد صيغة من صيغ الترابط,وشكل من أشكال العلاقات بين المفردات,التي تصنع صورة شعرية ما.‏

(جرح مضمد في الجبهة/وجه الذئب غامضاً في ليل الفناء الخلفي/الذئب نفسه/و...و/ثم خدر في شجرة التين).‏

الحسابات الذهنية التي تحدثت عنها,والتي تتطلبها قراءة عين رطبة,أفسرها,بأنها المياه التي أرادنا رشو أن نسبح فيها,من خلال اتجاهه صوب قصيدة,تفتح الباب على مصراعيه,على كل ما هو مهمل,كل ما هو منفي,مفكك والمهمل والمفكك هذا بحاجة إلى إعادة تجميع,وربط وهذا ما يقوم به القارئ,بافتراضه نوعياً,وحيادياً وقادراً على التعامل مع هذه القصائد كحالة معينة تتطلب جهداً في التذوق,خصوصاً أن الموسيقا داخلية تماماً الأمر الذي لا يريح قارئاً عادياً.من زاوية أخرى فإن المهمل والمنفي,بوصفه مخزوناً استراتيجياً للصرف طويل الأمد,يغدو ضرورة ملحة,في لحظة الشعر,اللحظة الاستثناء.بل إن الاشتغال على التفاصيل هو ما يبرر قصيدة نثر محمد رشو:(كان هنا.الكرسي/كغيره يكتفي بما يتركه الهواء/القليل.ما من تعرق/تخلفه عجيزة/ما من انحناءة/على المعدن,ما من ركبة تنثني/فتؤلم).‏

ولعل صلة الوصل التي تربط الشاعر بالتفاصيل,هي العين الرؤية والرؤيا,ولكن العين هنا لم تعد عضواً فحسب لقد تحولت إلى عدسة ذات تكبير عال جداً,مجهر,أو أي شيء من هذا القبيل.إن مطالعة لعناوين قصائده تدل على هذه الحالة البصرية المفعمة بالخصوصية (النقطة العمياء حيث ينظر رجل وحيد,عين لا تهتز,ترى من تحت قبعة فوتوغراف,ضباب,أنيديني) وإذا أضفنا إلى هذه العناوين,عنوان المجموعة,عين رطبة يكتمل المشهد.إذاً هي العين في كل حالاتها وتجلياتها من العماء والبكاء وغبش الرؤية إلى وضوحها,وكأن هذه الحالات,هي مراحل ولادة القصيدة,على أنه لا ينبغي لنا أن نتصور أن العين تحضر بينما تتغيب الحواس الأخرى فللأذن أيضاً حضورها.ما أستطيع أن أجزم به أن الشاعر يوظف حواسه كرادارات تتعقب الجمال أينما توارى‏

(وفي العتمة/يكون ظل السروة في الباحة:السروة في الباحة/ظلك أنت هيكل غامق موحش لا بد من هواء لتدرك أنه شجرة حقاً اليد البطيئة/ونفاذ الأنفاس العميقة لنكون نحن أنفاسنا).‏

عين رطبة لمحمد رشو - إصدار خاص 2005‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية