تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نعوم تشومسكي: ماذا انتجت ديمقراطية القشور?

كتب
الاربعاء 4/10/2006م
لميس علي

هل أميركا دولة الشر الأولى في العالم? هل هي دولة إرهاب? أم دولة الانقلابات وتغيير أنظمة الدول الأخرى?.

وهل هي ذات سياسة إعلامية موجهة أم حرة?‏

فيما قد تبدو هذه الأسئلة للبعض واضحة الإجابة بدهيات لا تحتاج إلى نفي أو إثبات, سيؤكد نعوم تشومسكي لنا أنها الدولة الجامعة لكل الصفات السابقة, وهي وبكل جدارة دولة زيف الديمقراطية, يؤكد ذلك بدقة ووضوح وجرأة العالم وبدعم الوثائق السرية الأميركية التي دأب الاطلاع عليها, وكانت شديدة السرية ذات يوم.‏

نعوم تشومسكي عالم اللغويات وصاحب النظرية الأبرز في اللسانيات التوليدية التحويلية في القرن العشرين, الأميركي الناقد والفاضح لسياسة بلاده.. اليهودي المناهض لسياسات دولة الكيان الصهيوني اليهودي المزعومة يمنح المدى لصوته ولآرائه الأكثر إثارة وجدلاً في أوساط المفكرين والباحثين السياسيين الغربيين ولاسيما الأميركيين في كتابه (طموحات إمبريالية) يلتزم الخط ذاته الذي انتهجه في كل مؤلفاته السابقة, وذلك عبر حوارات أعدها ديفيد برساميان الذي يصف الإنسان الحر فيه فيقول: (شخص يصر على أن فهم الحقيقة أو معرفة كيفية التصرف أمر غير معقد, شخص يعرف كيف يجب أن يكون المفكرون ويجسده).‏

وفي ذات الوقت الذي يعلن فيه الفيلسوف الانكليزي برتراند راسل أن (من طبيعة الامبريالية أن مواطني القوة الامبريالية هم آخر من يعلم دائماً عن الظروف السائدة في المستعمرات أو يهتم بها) يصر تشومسكي على الرغم من استشهاده بهذا القول في أحد مقالاته, على أن أولئك المواطنين يهتمون إلا أن الحملات الدعائية الضخمة تمثل حاجزاً بينهم وبين المعرفة.. فكيف ذلك?.‏

يذكر تشومسكي أن أول وزارة للإعلام (للدعاية) استحدثت في بريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى وهدفت إلى (توجيه فكر معظم العالم), لاسيما فكر المثقفين الأميركان, وفي عهد ريغان وجدت هيئة تدعى مكتب الدبلوماسية العامة, وبالطبع تعنى بشؤون الدعاية لم يتقبلها الجمهور بداية ما اضطر الحكومة لاستخدام أساليب ملتوية لصناعة هذا القبول.‏

وهكذا نجد السيطرة على الرأي العام تعتمد على (هندسة القبول) أو (صناعة القبول) التي هي أهم أركان الإعلام الأميركي, فلعبة الدعاية المرادفة للعبة السياسية أو الوجه الآخر لها إذا أمكننا القول تشكل الغطاء الوهمي لأكبر سياسة دولية كاذبة على وجه هذه البسيطة, هذه السياسة المعتمدة في أسلوب دعايتها على تنظيرات الباحث الليبرالي هارولد لاسويل مؤسس جانب كبير من علم السياسة الحديث, القائل بأن النخب يجب أن تتولى أمور الناس العاديين, وذلك على النقيض من الفكر الديمقراطي القاضي بأن البشر على العموم يجب أن يتحكموا بمصالحهم, كل هذا يسهل تحقيقه عبر إشاعة الخوف بين الناس, لأن أمنهم أهم ما يخشون عليه وبالتالي يقفون إلى جانب القادة الأقوياء, وهنا يشير نعوم إلى أمر قد لا يخطر في بال الكثيرين, وهو أن من أهم أسباب الحرب الأميركية على العراق إنجاح الحملة الانتخابية الأخيرة للرئيس بوش الابن.‏

فعبر إخافة الشعب يتم تمرير كافة المخططات وهو ما اعتمد عليه الجمهوريون في تنفيذ أجندتهم الداخلية, لنكتشف أن الديمقراطية الأميركية ما هي إلا ديمقراطية القشور, وديمقراطية الوهم قائمة على مبدأ (أنك حر في فعل ما يحلو لك طالما أنك تفعل ما نقوله لك).‏

من الأمور الأخرى التي يدلل بها تشومسكي على أن الصحافة في أميركا هي صحافة موجهة وليست ذات كبير مصداقية طمس سجل الأعمال الوحشية لقادتهم ورؤسائهم مثل طمسهم لسجل (ريغان) الذي تم في عهده التدخل في غرينادا ونيكاراغوا, وهذه العملية أي عملية الطمس يطلق عليها اسم كبت الذاكرة (كبت الوعي) لدى الرأي العام, وتأكيداً على هذا الكبت فقد منعت إدارة (ريغان) إزالة صفة السرية عن الوثائق الحكومية المحفوظة, لأنها لا تريد للشعب أن يعرف ما حدث في غواتيمالا 1954م وفي إيران 1953م على الرغم من أن القانون الأميركي يقضي بإزالة صفة السرية بعد مرور ثلاثين عاماً.‏

لن يمل تشومسكي من التذكير بصورة (ريغان) التي تجمعه مع مجاهدين أفغانيين في البيت الأبيض, الواردة في كتاب الكاتب الباكستاني (إقبال أحمد), إذ لعبت إدارة (ريغان) دوراً فعالاً في دعم أولئك المجاهدين الذين تحولوا لاحقاً إلى طالبان والقاعدة ليستنتج أن أميركا هي من تؤوي الإرهابيين, هي الدولة المنتجة لتوءم الإرهاب والشر, ورقم واحد في سعيها للتدخل بشؤون الدول المعارضة لسياساتها ودعمها للكثير من الانقلابات في تلك البلدان.‏

فيتنام - تشيلي- بنما- غرينادا- نيكارغوا- غواتيمالا- إيران- كوبا وستطول القائمة ولن تقصر لأسماء الدول التي شهدت الكثير من وحشية السياسة الأميركية وتدخلاتها اللاإنسانية ففي عام 1989 م قامت الولايات المتحدة بغزو بنما لخطف مجرم هو (إيمانويل نورييغا) وفي عام 1953 م دعمت انقلاباً على الديمقراطية المتمثلة بحكومة محمد مصدق في إيران لإعادة الشاه.‏

نعوم تشومسكي يطلق نهاية نصيحته لأولئك الذين يؤلف لهم كتبه, الذين يملك سمعهم في محاضراته المهتمين بتغيير العالم نحو الأفضل (إذا أردت أن تحدث تغييرات في العالم فعليك أن تشارك يومياً في القيام بالعمل البسيط والعمل نفسه لاجتذاب أشخاص مهتمين في قضية ما , وأن تبني منظمة أكبر قليلاً وتنفذ الخطوة التالية وتشهد الإحباط وتصل إلى مكان ما في النهاية, هكذا يتغير العالم هكذا تتخلص من العبودية).‏

الكتاب: طموحات امبريالية‏

تأليف: نعوم تشومسكي.‏

ترجمة: عمر الأيوبي‏

الناشر: الدار الوطنية الجديدة دمشق 2006‏

دار الكتاب العربي- بيروت‏

***‏

تشومسكي .. جرأة نقد‏

المسكوت عنه في أمريكا‏

في مطلع 2006 نعوم تشومسكي في برنامج (العالم اليوم) في إذاعة البي بي سي شن هجوماً عنيفاً على أحداث العام 2005 تحديداً التي جرت في العراق قائلاً: (كان متوقعاً من قبل أن غزو العراق سيزيد من تهديدات الانتشار النووي وتهديدات الإرهاب وقد حدث الأمران في الواقع) لايجهل أحد أهمية تحليلات مفكر مثل نعوم تشومسكي, اللغوي والسياسي وعالم الاجتماع الأمريكي المنشق على (الاجماع العام) في دوائر صنع القرار والتيار الرئيسي السياسي ومفكري الولايات المتحدة, فتشومسكي هو الذي نحت المصطلح الذائع الصيت والمعبر (تصنيع الاجماع) وذلك في كتاب شهير بنفس العنوان, عالج فيه دور الإعلام الغربي في قولبه عقل رجل الشارع في الغرب بمهارة ومكر من دون أن يظهر ذلك معاكساً لشعارات حرية التعبير وتعددية الأصوات وفي كل ما كتب كشف الكثير من الحقائق السياسية والإعلامية وطرق اتخاذ القرارات في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة يقول: (ما لايتحدث عنه السياسيون الأمريكيون هو أهم بكثير مما يتحدثون عنه في العلن) سلط ضوء كثيفاً على المسكوت عنه في السياسة الأمريكية وخاصة الخارجية والمتعلقة ببلدان العالم الثالث من آسيا وافريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية ومؤخراً ارتفع حجم مبيعات كتبه حين جاء الرئيس الفنزويلي أوغو تشافيز على ذكره في خطابه الذي ألقاه على منبر الأمم المتحدة حيث أشار أنه على الأمريكيين أن يقرؤوا وما يكتبه?!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية