تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حصاد الورق

فضاءات ثقافية
الأحد 6-6-2010م
يمن سليمان عباس

- الشعر خبزي اليومي

لي أكثر من نصف قرن مع هذا الرفيق الذي لم يخذلني يوماً وإن خذلته كثيراً في محاولتي التعرف عليه أكثر ومعرفة خصاله وطباعه وأدب مرافقته ومجالسته.‏

والحق أقول إنني أبذل ما أستطيع بذله وأستمتع بما أبذل، رحلتي دائماً.. وهو ,أعني الشعر, قريب ناء واضح غامض، كأن الحياة بأسرها ساحة للشعر وملعب، وكأنني مكلف بأن أزرع هذه الساحة في محاولة بلوغ الفن بلوغ الشعر.‏

هل الشعر قراءة للحياة فقط؟‏

أعتقد أن الأمر أوسع وأعمق.‏

للبشر طرائق عدة في قراءة حياتهم، طرائق بينها العلم والسياسة، لكن شأن الشعر مختلف.‏

إن كان العلم والمسعى السياسي يعدان، ويُعدان زمناً ما فإن الشعر راهن مباشر وفوري، أعني أن قدرة الشعر على القراءة والمشاركة والتغيير هي أكثر فاعلية وأعمق في مجرى العروق.‏

الشعر مغير‏

الشعر مغير في اللحظة الحميمية التي تجمع بين الراهن والأبدي في عناق عجيب.‏

الأداة التي يستعملها هي الأكثر تداولاً وعادية ويومية في حياة الناس، إنها في الأسواق وعلى شفتي الطفل قبل أن تكون بين دفتي كتاب، إنها أداة متاحة بسيطة وديمقراطية هي اللغة المستعملة إذاً من أين تأتّى للشعر أن يأتي بمعجزته؟‏

أحسب أن نمت جذرين غائرين لهذه المعجزة:‏

أولهما أن الشعر يعود باللغة إلى بداءتها، إن الكلمة مرهفة كالوتر الحساس ومن هنا علاقته.‏

ثانيهما: إن الشعر يقدم الخطوة الأولى في السلم الذي يحمل البشر إلى السماء ومن هنا اغراؤه.‏

وأقول عن نفسي: ليس لي من حياة فعلية خارج الشعر، الشعر خبزي اليومي وأريد له أن يكون خبز الناس جميعاً.‏

-المثقف التابع مطروداً‏

قد يغالي المثقف التابع في محاولته التماهي مع المستعمر إلى حد الوقوع ضحية ذلك التماهي، فلا يرف له جفن ولا تبدر منه بادرة لمراجعة موقف أو التفكير بمصير أفضل له ولأبنائه إن كان لديه أبناء.‏

المستعمر نفسه قد يتخلى عن المثقف التابع فيطرده من العمل، أو يجعل ظروف عمله مستحيلة، لكن المثقف التابع يظل متشبثاً بسيده بالرغم من الركلات المتتالية التي نالها بعد انتهاء مهمة الوكالة الاستعمارية ومغادرتها البلد، يبذل المثقف التابع المستحيل. للمغادرة مع تلك الوكالة لكن الوكالة خاضعة لقوانين بلد المتربول وهي لا تستطيع اصطحاب المثقف التابع هكذا..‏

الظروف المحيطة بالمثقف التابع في بلده لم تعد مواتية، فالناس يرفضون رفضاً متزايداً الاستعمار ويرفضون أعوانه ومن بينهم المثقف التابع، والناس قد يستعملون السلاح تعبيراً عن رفضهم، آنذاك قد يتعرض التابع لخطر القتل أو التهديد المستمر بالقتل.‏

يضطر هذا اضطراراً إلى مغادرة البلد، بلده لكنه لفرط ولائه للمستعمر يفضل الاقامة في بلد قريب كي يستمر في تقديم خدماته للمستعمر.‏

سعدي اليوسف في كتابه «مقالات غير عابرة»‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية