|
شؤون سياسية الأولى- ولها الأولوية هي معادلة الداخل بين الدولة, والشعب والمجموعات المسلحة, وفي هذه المعادلة نقرأ على مدى أكثر من عشرين شهراً على الأزمة السورية أن الدولة مازالت دولة واحدة والشعب ما زال لم ينخرط في أي هدف ضد دولته بل صار ينظر إلى أن مصيره مرتبط بدولته لأن المسلحين ليس لديهم مشروع بناء دولة بقدر ما لديهم مشروع تحطيمها وترك السوريين في جغرافيات الإمارات المتصارعة منتظرة الدعم من أجل أسباب العيش ولو من إسرائيل حين ستصبح المركز الإقليمي الأعظم, وهذا ما كتبه رئيس الكيان الصهيوني بيريز وعملت أميركا وأوروبا, والمستتَبعون معها على تحقيقه حتى يوم الناس هذا. وخلاصة الحال في المسألة الداخلية تشير إلى القوة المتزايدة في المعادلة الداخلية لصالح الدولة والشعب, وإلى افتقاد المسلحين للبيئة الحاضنة وحتى حين يروّعوها بالمجازر. وهنا مكمنُ الخطأ التاريخي الذي ارتكبه مَنْ يخطط للمزيد من العنف والإرهاب داخلياً, لأن الأمم المتحدة كما تحدث الجعفري قد أُجبرت من فظاعة ما حدث على الاعتراف بوجود مجموعات إرهابية مسلحة وترتكب جرائم ضد الإنسانية. وهذا الاعتراف هو أكبر نقطة تحوّل ضد هذه المجموعات ومَنْ خطط ويخطط لها. وما يضيف إلى معايير القوة المتزايدة للدولة والشعب معياراً جديداً هو المؤتمر الأخير لمعارضة اسطنبول في الدوحة ومقدار ما ظهر من خلافات على كل شيء وأعطى انطباعاً لأميركا أعلنته كلينتون -المستعدة للرحيل- بأن مجلس اسطنبول لم يعد يمثل المعارضة بمفرده وسحبت الشرعية منه, هذا من جهة, ومن الجهة الثانية هو أن المعارضة الوطنية في الداخل, والخارج لم تتوافق على ما حدث من نتائج في مؤتمر الدوحة لتكون هذه النتائج متعسِّرة سلفاً. وعليه فالمعارضات السورية لن يكفيها ازدياد العنف والهدم والترويع عبر القاعدة لتنتظر انتصاراً, لأن الشعب قال في سورية كلمته وهي أن العملية السياسية والحوار الوطني بالعقيدة المشتركة التي ترفض التدخل الخارجي, وترفض إقصاء الآخر, وتؤمن بالدولة العلمانية, وبالمصير الواحد للسوريين جميعاً, وبدولة المشاركة الوطنية الكاملة الطريق الوحيد للحل، وما يزال الشعب عند كلمته رغم أن الذين يدّعون تمثيله هم من يعطّل طاولة الحوار. والمعادلة الثانية تتصل بالمحيط الإقليمي لسورية في عدوٍّ منخرطٍ في التآمر على هدم الدولة وتفجير المجتمع وتوفير ظروف الحرب الأهلية لكونها عامل الهدم الوحيد, مازالت هذه المعادلة في تموّجٍ واضحٍ يشير إلى أن خللَ توازن القوة هو لصالح سورية البلد الذي يطارد المسلحين منذ عشرين شهراً ولم يمكّنهم من احتلال أي مكان وادعاء المناطق العازلة المحررة التي تقام عليها أجزاء من السلطة القادمة كما يحلمون. وآخر ما تعطيه مجريات الأمور من حلب إلى مدينة رأس العين في الحسكة يفيد بأن المسلحين لديهم أسلحة يستطيعون فيها تخريب أي مكان مستهدف لكنهم لايستطيعون البقاء فيه, وهنا صار مجموع المواطنين متأكداً بأن مهمة تدمير البلد, وتشريد الناس هي فائض القيمة الوحيد لكل عمل إرهابي وخاصة حين صارت العبوات الناسفة, وقذائف الهاون تقتل البشر والحجر والجامع والكنيسة, والطفل والمرأة والشيخ, والمدني والعسكري في ظل منهج دمّر كل شيء, فلا شيء غالياً. والجزء الثاني من معادلة المحيط الإقليمي هم أصدقاء سورية وحلفاؤها من العرب والمسلمين فهم الكفّة الراجحة وبهم تمكّنت سورية من دحر المخطط الصهيوأمروأوروبي عليها, وما تزال. وبما يملك أصدقاء سورية وحلفاؤها من قوة سوف تتمكن المعادلة الثالثة من تقرير مصير العالم ونظامه القادم على ضوء ما أشارت إليه الصحيفة التشيكية... والمعادلة الثالثة هي الدولية وتوازن القوى العالمي حيث كان مَنْ فَبْرَكَ الربيع العربي يظن ببساطةِ مخططٍ سطحي بأن الذي سيحدث في تونس ومصر وليبيا من الطبيعي أن ينسحب على سورية دون أن يخطر بباله أي فارق احتمال. وحين أعطيت الأوامر جرى كل شيء كما رسموا له ما عدا سورية, هذا ما جعلهم يتجاوزون أي ميثاق أممي معمول به ولو أقالوا الأمم المتحدة ومجلس الأمن فالمهم تدمير سورية وإلّا لن يكون الذي خططوا له وهو حماية إسرائيل وتمكينها وتهويدها وفرض القدس عاصمتها, وطرد الفلسطينيين للوطن البديل, ومنع حق العودة كل هذا لن يكتب له النجاح إذا بقيت سورية موحدة أرضاً وشعباً. والخطأ الفاحش عند استراتيجيي أميركا الصهاينة أنهم لم يأخذوا – في إطار ما يتحول في عالمنا على أثر الأزمة المالية والاقتصادية للغرب الإمبريالي – ما ترهص به مؤشرات تعافي اقتصادات دول البريكس, وأثر هذه المسألة في تغيير نمطية القرار الدولي, واستعادة أدوار مجلس الأمن المفقودة منذ بداية قيام نظام القطب الواحد الأميركي عام 1991. وقد تمّت المفاجأة الكبرى في استخدام الفيتو المزدوج بخصوص سورية للاستعجال بإنجاز ما قد خُطط له. وقد أدرجوا تدمير سورية حتى في برامج الانتخابات للإدارة الأميركية الجديدة واليوم, وبعد نجاح أوباما سوف نقرأ المشهد السياسي الأميركي على أنه ذاته ولن يقوى أوباما على فرض أي هدف جديد على الطرف الدولي الذي صارت له قوة القرار. وحتى عودة الرئيس بوتين, والمؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني قد مثلا العامل الأكثر أهمية في جعل أميركا تُقرُّ بمبدأ الشراكة العالمية, ويدخل العالم نظامه الدولي المتعدد الأقطاب والحريص على القانون الدولي والعدل, وهذا سيعني نهاية عصر الغطرسة, وبداية عصر الديمقراطية الدولية وما يترتب عليها؛ وكل هذا الحال انطلق من سورية, وينطلق. |
|