تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تصحيح العالم...

آراء
الخميس 15-11-2012
 ديب علي حسن

في زمن الردة القاتلة، زمن القحط الأخلاقي والقيمي، زمن البيع والشراء والمتاجرة بكل شيء لم يعد للحكمة مكان أبداً ، لم يعد للعقل متسع من الانتظار ليرى ويحلل ويقول فالأمور واضحة جلية لاغبار عليها أبداً .. لايختلف اثنان على بدهية ما، وكنا نقول سابقاً لايختلف اثنان على حب الوطن أي وطن.

أسمعتم بتلك المرأة التي عيّرت زوجها ببخله فقالت له : حتى الفئران لاتجد ماتأكله في بيتك ولكن حب وطنها وجحورها جعلها لاتغادر..‏

أي وطن، أي مكان هو ذاك الذي ترفض حتى الفئران أن تهجره..أليس جحوراً من تراب لاتجد فيه حتى أسمال الثياب ..؟!‏

فمابالنا نحن بني البشر وقد صارت الأوطان عندنا حقيبة سفر، حقيبة مال، نبيع ونشتري ، نساوم لمن يدفع أكثر نريد أرقاماً من المال وحين تصل إلى جيوبنا إلى حساباتنا، إلى ... نقدمه رخيصاً على مذبح الشهوات.. البيع والشراء حلال في كل شيء إلا القيم والمبادئ والكرامات إلا في حب الوطن وحب الوطن إيمان مابعده إيمان لأن من يحب وطنه أرضه ينصهر في بوتقة نسيجه وحضارته وكرامته وإن شط به المزار بعيداً ، لكنه يبقى مشدوداً كما الوتر إلى حيث المنبت الأول إلى حيث ذكريات الصبا والطفولة الوطن ليس حدوداً جغرافية ، ليس تراباً وماء وهواء وكفى هو هذا الكون البهي الرائع الجميل الذي لامعنى للحياة دونه أبداً..‏

الوطن سورية، وسورية الوطن ليست في تاريخ الحضارة محطة عابرة أبداً، ليست جغرافيا وتضاريس ، هي قلب العالم وضميره جسده وروحه.. والشعب السوري الذي خبر المحن ، عاش الألم الممض والقاتل ، لم ينكسر يوماً ما، لم يلن أمام طغيان وجبروت المستعمر المباشر وغير المباشر .‏

هذا الوطن هل نخونه نختاره ..كيف لنا أن نسأل ذلك وهو الدم الذي نعيش به والهواء الذي نتنفسه ..كيف لإنسان عاقل أومجرد عاقل أو شبه عاقل أن يرى وطنه حقيبة مسؤولية يريدها ولوجاء على ظهر دبابة.. على من تكون مسؤولاً ومع من تتشارك الحياة.. ؟ بالتأكيد سنقول ماأحلى الإمارة ولو على كومة حجارة لكنه مثل انهزامي انكساري ، الوطن الذي تكالبت عليه قوى الغدر والعدوان من كل حدب وصوب وتحالف معهم شذاذ الآفاق، هو الوطن الذي فاض قمحاً وعنباً وتفاحاً وعسلاً وبطولات ومواقف كرامة وشهامة ، هو الوطن الذي غير العالم على أعتاب العقد الثاني من الألفية الثالثة ...هذا الوطن لايباع ولايشرى أبداً ، يتألم ، يجرح بسيوف الدهماء والأغبياء والخونة ممن ظنوا أن من صنعهم في مخابره وتحت إشراف أجهزته الأمنية قادر على أن يحميهم وأن يجعلهم ينالون رضا وتقدير الناس، ألايعرفون أنهم للاستعمال ولمرة واحدة لم يتعظوا أبداً من عبر التاريخ ومن خونة ظنوا أنهم سوف يبلغون السؤود حين يحققون أهداف من سخرهم لكنهم أمام أول حدث صاروا على المقلب الآخر وأول الهازئين الساخرين بهم أولئك الذين جعلوهم وقود خيانة.‏

الوطن الجريح ليس كله ورداً ولابساتين تفاح وعنب ورمان، ولاورد جوري وياسمين، ولكن ليس للأشواك التي تحيط بالورد أن تجعل الورد وعطره يباساً أبداً، حقول الشوك وحدها تؤلم، تجرح لكن الحراثة والتعشيب والمتابعة تحول الشوك إلى اخضرار...‏

الوطن الذي بنيناه حجراً حجراً، معملاً معملاً، وجامعة جامعة، ليس منذوراً للخراب أبداً ليس منذوراً للريح هو منذور للحياة للأمل للعطاء لألق الحضارة وعنفوانها..‏

في التوراة وأحقادها ينذرون المدن السورية للخراب ويعملون على تحقيق هذه النبوءة منذ زمن بعيد لايملون من القول إن الخطر يأتي من الشمال، ووقائع ماجرى ويجري يثبت أنهم يعملون على تدمير هذا الشمال الذي هو سورية سورية الدور والموقف والحضارة والكرامة.‏

سورية الوطن المنذور عطاء جرحها كبير كبير، وفاجعتها أكبر بأولئك الذين زرعنا أرضهم قمحاً ، وروينا أرضهم بالماء والدم ، ووفرنا عرضهم فإذا بهم أفاعٍ رقطاء..‏

أيتذكر متسولو كسرة الخبز وشربة الماء أيتذكرون رحلة الصيف والشتاء ، حتى بعد فورة المال والنفط ألا يسأل هؤلاء من الذي كان لهم ومعهم عوناً وسنداً ، حتى كانت الهجمة على أرضهم وثروتهم ، وكان شاه إيران شرطياً للغرب يريد أن يضع يديه على مقدرات الخليج ثروة وأرضا..‏

حتى الآن يعفى من أداء الخدمة الإلزامية في سورية من يعمل في الخليج ويقيم هناك لسنوات محددة ...‏

ألم يكن السوريون خط الدفاع الأول بالفعل قبل القول؟.. . ومالهم اليوم - متسولو كسرة الخبز، وقد شبعوا قد صاروا خدماناً وأعواناً ..هل ظنوا أن ملء البطن والجيب يجعل المخلوق رجلاً ؟.. المال لايصنع الكرامة قد يكتب تاريخاً مزوراً لكن الحقيقة مهما طمست لابد أن تظهر جلية..‏

سورية اليوم في ذكرى التصحيح لاتعيد تصحيح ماكان مساره على أرضها، بل تعيد تصحيح العالم من جديد ، دم سوري منذور لكل حر شريف، والمخاض مؤلم، لكن المولود يستحق ذلك العالم كله ينتظر، ونحن سننتصر لأننا أبناء الحق ، أبناء وطن الشمس.‏

d.hasan09@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية