|
إضاءات لكن تبين من خلال مجريات العصور، أن الصورة معكوسة تماما، فهذا الغرب المتماهي في نشر آرائه وأفكاره الديموقراطية هو عالم ديكتاتوري، استغلالي، استبدادي، ولص شرير بامتياز، يتقن لعبة إزداوجية المعايير، والنفاق المنظم، والشر المستطير، حيث ثقافته مطعمة بالتعصب والتطرف والعنصرية القائمة على العرقية البغيضة، واستغلال جهالة الحاكم المعطوفة على جهالة الشعوب، إضافة إلى سرقة الثروات من العالم المتخم بآبار النفط والغاز والمعادن الثمينة، بحيث أصبح الصراع قائماً بين جنوب بائس معدم، وشمال رأسمالي متخم بالثروات والرفاهية. هذه الثقافة الغربية الممنهجة على التسلط والاستبداد والاستغلال، هي التي جعلت قوتها العسكرية المتفوقة المعيار والمقياس، لهذا نشأت الحروب على مساحة الكرة الأرضية، فاستباحت الأوطان وكرامات الشعوب منذ نشوء الأمم، وما زالت، حتى تاريخه، مستمرة في العمل بنفس الآلية الإرهابية المستعمرة، الفاقدة لكل حسّ إنساني. فالإرهاب اليوم هو ثقافتها العصرية المتمددة والمتجددة باستمرار، فهي المصدر للسلاح الحي المنبعث قرارات همايونية من كواليسها كدول كبرى وخصوصا من الولايات المتحدة الأميركية، المتعاطفة بشكل واضح وصريح مع الصهيونية العالمية، التي هي الجهاز المحرك لظاهرة الإرهاب، منذ نشوء حركتهم في الغرب ومن ثم قدومهم إلى فلسطين محتلين الأرض، ومغتصبين حق الشعب الفلسطيني عبر حرمانه من العيش في أرضه بسلام. لقد حاول الصهاينة منذ احتلالهم فلسطين وبعد حروب طاحنة مع العرب، امتدت على طول الجبهات المصرية والسورية والأردنية واللبنانية، وآخرها حرب 2006، التي دمرت خلالها المقاومة في لبنان مقولة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، تفتيت العالم العربي إلى دويلات متناحرة أثنية وعرقية وذلك عبر التفكير بأسلوب يستطيعون من خلاله تفتيت قوى الصمود والتصدي، التي تحمل لواءها سورية والمقاومة، عبر العمل على إرسال الجماعات التخريبية المنظمة تحت إشرافهم وإرسالها إلى العراق وسورية ولبنان، بعد أن حيدت مصر والأردن بعاهدات سلام، ومنظمة فتح الفلسطينية، الذي ارتضى رئيسها الراحل ياسر عرفات بإقامة شبه دويلة، ما زالت تستعمل العملة الإسرائيلية» الشيكل» وتخضع في كل مساراتها الاقتصادية والحياتية واللوجستية إلى سلطة الدولة الإسرائيلية، حيث الدخول إلى رام الله، محكوما بالمرور على حواجزها الأمنية، التي تتحكم بحركة العبور من الداخل إلى الخارج وبالعكس، مستبيحة حرية الفلسطينيين بالتنقل، ناهيك بما تقترفه أيضا، من منع المصلين بالدخول إلى الجامع الأقصى، تحت أنظار العالم كله، الذي لا يحرك ساكنا حين تخترق حرية المعتقد للمسلمين والمسيحيين في مدينتهم المقدسة. هذا الإرهاب المنظم الذي نشرته إسرائيل في المنطقة، وعممته بأساليب أخرى بعد انهزامها في حرب 2006، تلاقى مع النفاق الكوني الذي تديره الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها من الأوروبيين وخصوصا البريطانيين والفرنسيين الذين رفعوا أصواتهم بمحاربة الإرهاب بعد تفشي ظاهرتها بشكل بارز في العام 2001، مع ما فيها من استغلال للإنسان الذي يعاني الفقر والمرض والأمية المتفشية بين شعوب العالم الثالث، المتخم بالعرقيات المتنوعة، والقوميات المختلفة، والتعدديات الدينية، والزاخر بلادهم بالثروات الطبيعية من نفط وغاز ومعادن ثمينة، إن في إفريقيا أو في قارة آسيا التي تذهب ثرواتهما إلى خزائن دول الاستكبار العالمي بوسائل تسلطية معاييرها الحروب المتنقلة. هذا السلوك التسلطي والاستبدادي الذي رعته الدول الاستعمارية وما زالت ترعاه بأشكال مختلفة، ما زالت مشهدياته الجشعة وشهواته الديكتاتورية تتسابق لفرض هيمنتها على كل من يقف حجر عثرة في سبيل تمدد إسرائيل، التي تقر أن حدودها من الفرات إلى النيل، فالرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية جورج دبليو بوش لم يستنكف عن بث أفكاره الجهنمية والسباحة في دماء جنوده الذين أرسلهم إلى العراق من أجل السيطرة على منابع النفط العراقية وإدخال الشركات الإسرئيلية إليها، لهذا فإن إشعال الحرب العسكرية الهادفة إلى احتلال العراق، والمسبوقة بالحرب النفسية والإعلامية، كانت أمرا مشروعا في أجندته التسلطية، بغض النظر عن اختراق سيادة دولة معترف بها في منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. إن الصمت العربي المطبق على ما حدث في العراق، كان نقطة العبور السريعة لانطلاق ما سمي بثورات الربيع العربي التي بدأت أحداثها باغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان، وإنشاء المحكمة الدولية، وتوجيه الاتهام الأولي إلى سورية ومن بعدها إلى حزب الله توخياً لسحب سلاحه الواقف لإسرائيل بالمرصاد، لكن ما حدث أن صمود سورية والمقاومة، جعل نيران الربيع العربي يصل إلى سورية، ويمعن فيها تدميرا وتفتيتا، بواسطة العصابات الإرهابية التي منيت منهم بالاحتضان والتبريك، ومن ثم إلى لبنان والمنطقة بكاملها، حيث دخلت تركيا وقطر والسعودية والأردن على خط المواجهة بدعم لوجسيتي كامل ومتكامل للعصابات الإرهابية، نتج عنه في ما بعد احتلال داعش لجزء من أراضي سورية والعراق، والتغلغل في جرود لبنان من عرسال حتى عكار. هذا الفعل الاستكباري العالمي الذي أنتج هذه العصابات الإرهابية التكفيرية، انعكس سلبا على مجريات الأمور، خصوصا في فرنسا وبلجيكا مؤخرا، فالعمل الإرهابي الذي حدث في عقر دار مجلة Charlie Abdo لم يكن متوقعا من السلطة الفرنسية، بسبب المنطق الضبابي لهذا الغرب الغبي، الذي لم يحسن تقدير عواقب الأمور، ولم يأخذ العبر مما جرى مع القاعدة ومع طالبان في أفغانستان وباكستان، وما جرى في 11أيلول في نيويورك في العام 2001، لقد كان ظنهم، حين تم تصديره إلى بلادنا من أجل القضاء على أي مقاومة ضد إسرائيل، أن المقاومة في دول الطوق العربي المناهض لإسرائيل سيخبو أوراها، وان تدمير سورية هو الأمل المنتظر. لكن هذا الغرب النمطي في غروره وتعاليه، أثبت فشل مخططاته، لهذا نادى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند دول العالم للخروج معه في تظاهرة احتجاجية ضد الإرهاب الذي تمت صناعته بموافقتهم ودعمهم وإشرافهم، مصدقين هلوسات صموئيل هنتغتون القائل بصراع الحضارات، وغير مدركين ان هذا الشرق عصي على الخنوغ والإنكسار، وأنه مؤمن إيمانا مطلقا بحوار الحضارات، القائم على احترام الإنسان في عقيدته وعرقه وقوميته، وحرية ممارسة شعائره الدينية، دون أي مساس بكرامة الإنسان، مهما كان انتماؤه أو تطلعاته التي تحميها الشرائع السماوية السمحة والقوانين المدنية العلمانية، التي احترمت في سورية والعراق ولبنان ومصر، والتاريخ يشهد على أن الكنيسة تجاور المسجد في هذه الدول، وأن لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، وبين مواطن وآخر سوى بمدى احترامه لوطنه وخضوعه لقوانين دولته والنظام . لقد فوجئت فرنسا حقا مما جرى، نعم، لكنها تعرف ويعرف رئيسها فرانسوا هولاند أن الصهيونية العالمية التي سمحوا لها بمصادرة عناوين قراراتهم الثورية القائمة على نشر الحرية والإخاء والمساواة، هي أصل العلة، والدليل ما طالب به نتنياهو الإسرائيلي في أثناء وجوده في تظاهرة باريس « je suis Charlie» الجاليات اليهودية في فرنسا بالرحيل إلى فلسطين. كلمة أخيرة لهذا الغرب المتغطرس، لقد شبعنا من نفاقكم، الشرق ليس غبيا كما تظنون، وازدواجية معاييركم لغة ممجوجة.. العبوا غيرها في ملاعبنا، وفوارسنا لكم بالانتظار. |
|