تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الغــــرب .. محاربــــة الإرهــــاب بـالإرهـــــاب !!

متابعات سياسية
الأحد 18-1-2015
فؤاد الوادي

طغت حمى المواقف والإجراءات والتصريحات التي تطالب وتدعو لمحاربة الإرهاب على سلوكيات الدول الأوروبية خلال الأسبوع الماضي على خلفية هجمات باريس الأخيرة ،

تلك المواقف و الإجراءات التي قد تبدو للوهلة الأولى حقيقية لكنها في حقيقة الأمر ليس إلا مداورة و مناورة للالتفاف على جوهر المشكلة وحقيقتها، وبالتالي الهروب من أي مساءلات أو التزامات أمام الشعوب والتاريخ.‏

ولعل المراهنة على هذا السلوك ( سلوك المناورة والالتفاف ) الذي بات قاعدة ثابتة عند معظم دول العالم وخاصة تلك التي تدعي الحرية والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، وبحكم التجارب السابقة لتلك الدول التي تحكمها سياسة اللف والدوران والمناورة والمداورة اثبتت فشلها وعجزها عن طمس الحقائق ومحو المشاهد والصور المؤلمة بكل تفصيلاتها العامة والدقيقة من ذاكرة الشعوب التي لا تزال تفيض بتلك الكارثية والدموية التي سببتها تلك السياسات التي تتصدر تطبيقها وتنفيذها الولايات المتحدة ومعظم حلفاؤها وأدواتها على الأرض .‏

على هذا النحو فإنه يمكن ملاحظة واستقراء سطحية تلك الإجراءات والمواقف تجاه ما يدعون انه محاربة للإرهاب التي تستهدف بالدرجة الاولى الاستهتار والتهكم بعقل المواطن الغربي الذي يبدو حتى اللحظة لا يزال مقتنعا بتلك الإجراءات والمواقف التي تستهزئ في نهاية المطاف دوره وإنسانيته، الأمر الذي يوجب على الشارع الغربي وبحكم الضرورة والخطورة المرحلية أن يعي حقيقة تلك المواقف والسياسات التي تستهدف في أبعادها التغطية على ماهو أكثر دموية و كارثية ليس على الشعوب الغربية فحسب بل على شعوب العالم أيضاً .‏

ما هو مؤكد أن الغرب ومن وراءه الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل قد وجد في أحداث باريس الأخيرة مبررا إضافياً للمضي قدما بسياساته الاستعمارية في المنطقة ممتطيا شعار محاربة الإرهاب والقضاء عليه، وبالتالي فرصة جديدة لإعادة ترميم الخلافات والانقسامات والتصدعات التي أحدثتها السياسات الأميركية المتفردة وصراع الغنائم والمكاسب، الأمر الذي يدعم الفرضية القائلة بان كل ما يحصل في العالم بما فيها هجمات باريس وما قبلها من أحداث دراماتيكية متسارعة في المنطقة والعالم – على سبيل المثال لا الحصر التمدد المفاجئ لتنظيم داعش الإرهابي في العراق منتصف العام الماضي والتصعيد على الجبهتين الجنوبية والشمالية في سورية من قبل إسرائيل وتركيا – ورائها الولايات المتحدة التي تحاول الهروب الى الأمام عندما تحشر في عنق الزجاجة باتباع سياسات (التصعيد والتلغيم والتفجير ) التي تهدف الى إدارة البوصلة عن وجهتها الحقيقية وتشتيت الرأي العام وخلط الأوراق حتى يتسنى لها إعادة ترتيبها كما يجب أن يكون .‏

ما هو مؤكد أيضا و رغم كل تلك الشعارات الزائفة التي يرفعها الغرب والولايات المتحدة ، ورغم كل تلك الإجراءات والمواقف الكاذبة والخادعة التي يعلنها الأخير كل لحظة ، فان أحداً على طول المعمورة وعرضها لم يعد مقتنعا بتلك الإجراءات والمواقف ما لم تقترن بتغيير جوهري وحقيقي في السياسات الغربية القائمة يُتخذ على إثرها إجراءات ومواقف أكثر واقعية ومنطقية بعيداً عن الزيف والخداع والمخاتلة، ولعل أولى تلك الإجراءات يكون بالاعتراف الواضح بدعم واحتضان الإرهاب من قبل الغرب عموماً وتحديد كل الأطراف المسؤولة عن هذا الدعم سواء بالأصالة أو بالوكالة أو بالتبعية، ومن ثم اتخاذ قرار صريح وواضح بوقف هذا الدعم ومحاسبة كل المسؤولين عن دعم وتنامي وحش الإرهاب الى هذه الدرجة، وغير ذلك لا يعدو كونه ادعاءات باطلة واستهتاراً بعقول الشعوب، فكيف للإرهاب أن يدعي انه يحارب إرهاباً.‏

بالعودة الى سلسلة الإجراءات ( الخادعة )التي اتخذتها بعض الدول الغربية التي بات يسيطر عليها كابوس امتداد الإرهاب إلى أراضيها، فقد أفادت صحيفة «الغارديان» البريطانية بأن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون تقدم باقتراح يتيح لأجهزة الاستخبارات البريطانية إمكانية التجسس على الرسائل الشخصية والمشفرة للأشخاص الذين تشتبه في أنهم يخططون لهجمات داخل البلاد على غرار الهجوم الذي وقع في العاصمة الفرنسية باريس – نتساءل هنا عن قدرة تلك الإجراءات (التجسس على الرسائل ) على منع أي عمل إرهابي فيما تملك الاستخبارات البريطانية والغربية أسماء معظم الإرهابيين سواء أولئك الذين صدرتهم الى سورية والعراق أو أولئك المتواجدين على أراضيها والذين لا يزالون قيد التجهيز تمهيدا لتصديرهم الى المنطقة!؟.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية