|
متابعات سياسية لا يعني قط الحصول على صك براءة من إثم سفك الدماء زوراً وبهتاناً تحت عناوين خادعة ومسميات باطلة سوَّقت الإرهاب وساعدت على انتشاره وتمدده إلى أن وصلت ألسنة لهبه المردي إلى بعض العواصم التي كانت وراء انتشاره بشكل أو بآخر، ويخطئ من يظن أن إطلاق التصريحات التي تدين الإرهاب يعفي من المسؤولية المباشرة أياً ممن ساهموا وساعدوا ومولوا وسلحوا ودعموا وتغاضوا عن تفشي الإرهاب والإرهابيين وانتشار التفكير الظلامي القائم على إلغاء الآخر وإقصائه واستخدام العنف والسلاح لفرض رؤية متصحرة لا تريد العودة بالحضارة الإنسانية قرونا إلى الوراء فحسب بل تسعى لتلك العودة سباحة عبر بحور من الدماء مستخفة بإنسانية الإنسان وبكل أعراف المجتمع البشري وقوانينه الناظمة التي تم اعتمادها لتنظيم العلاقات الدولية وتأطيرها بما يضمن الحفاظ على الأمن والاستقرار على الساحة الدولية بعيداً عن سياسة تعدد المكاييل وتنوع المعايير تجاه قضية محددة، ومن حق المتابع المنصف أن يسأل : ما الذي تغير في جوهر الإرهاب الذي ضرب بشدة منطقة الشرق الأوسط منذ أربعة أعوام مخلفا الكوارث والويلات والمآسي ؟ وما هو سر تداعي الغرب الأطلسي للتنديد بإرهاب ما كان له أن يتمدد لولا الدعم والتغطية التي وفرها ذاك الغرب للإرهاب المتنقل والعابر لحدود الدول والقارات؟ ولماذا لم نسمع هذا الصراخ العالي إلا بعد أن ارتدت ألسنة الإرهاب إلى بعض مرابعه التي احتضنته ورعته وأمدته بكل أسباب القدرة على الأذى وارتكاب الجرائم المروعة؟ نعم إن أي إرهاب في أي مكان من العالم مدان ومرفوض، لكن الاكتفاء بالرفض والإدانة لا يقلل من خطر الإرهاب والإرهابيين، وقد تبين لكل ذي عقل أن ما حذرت منه سورية مراراً قد أصبح واقعاً يفرض تداعياته على من كان يصم أذنيه عن تلك التحذيرات ويتعامى متعمداً عن الإرهاب الذي تم تصديره لتفتيت سورية تمهيداً لتفتيت جميع دول المنطقة وضمان استمرارية السيطرة والتحكم بالقرار الدولي أطول مدة ممكنة، فالرواية الهزلية التي سوقت لما حدث في باريس تثير الكثير من التساؤلات المشروعة التي تقود إلى فكرة جوهرية تتمحور حول الإصرار على الاستثمار في الإرهاب الممنهج حتى عندما يضرب العواصم الغربية، والاعتداء الإرهابي الذي تعرضت له صحيفة شارلي إيبدو يفرز الكثير من التساؤلات المشروعة ومنها: أيهما أساء أكثر للرسول الكريم (ص) الرسوم الكاريكاتورية في تلك الصحيفة أم أولئك المسكونون بتفكير ظلامي تكفيري يستعدي الكون ضد الإسلام والمسلمين خدمة لأعداء الإنسانية؟ وكيف يمكن فهم الغباء والسذاجة التي تدفع بمجرمين امتهنوا الإجرام والقتل لترك وثائقهم التي تدل عليهم في السيارة التي غادروها، في حين ينفذون جريمتهم بإخراج أقرب ما يكون إلى المدرسة الهوليودية؟ وهل هناك من دليل قطعي على أن من قتلوا هم المجرمون حقاً، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ وأين أجهزة الأمن وأعين الشرطة عن السلاح الذي ظهر فجأة في الشارع الفرنسي واستخدم بكل برودة أعصاب وضح النهار؟ ولماذا التصدي الحازم للإرهاب في باريس يصبح واجباً على الدولة وتحاسب إن قصرت في أدائه، في حين يكون قمعا للحريات في سورية؟ وماذا يعني أن يتم نشر أربع رسومات جديدة مسيئة بدلا من الرسم الواحد، وفي الوقت نفسه ترتفع مبيعات تلك الصحيفة من ستين ألف نسخة إلى خمسة ملايين دفعة واحدة؟ وماذا عن جمهرة داعمي الإرهاب في مسيرة باريسية جماعية للتبرؤ من جرائمهم عبر التنديد بالإرهاب؟ من الجدير بالذكر هنا أن عتاة الإرهابيين وأكثرهم إجراماً سارع بالحج إلى باريس ليصطحب معه شهادة علنية في مكافحة الإرهاب، وقد تصدر نتنياهو جوقة المطبلين والمزمرين ومعه أحمد داؤود أوغلو وغيرهما ممن أجسادهم ملطخة بدماء الأبرياء من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، وهنا تظهر صحة القول المأثور« شر البلية ما يضحك» حيث يجتمع وعلى فطير صهيوني جديد كل من نتنياهو ووزير خارجيته مع الرئيس الفرنسي ورئيس وزراء تركيا ويعتذر أوباما لدواع أمنية، ومن حق المتابع العادي أن يتساءل إن كانت الجراحات الفلسطينية ودماء ضحايا الإرهاب الصهيوني قد تم حملها إلى باريس أم تركت مركونة في زواريب الخلاف والاختلاف والانقسام الذي يزيد المجرم غطرسة وعربدة ووقاحة تصل حد مطالبة جميع اليهود الفرنسيين بالهجرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة؟!. كثيرة هي النقاط التي تتطلب التوقف عندها في المفرزات التي خلفاها اعتداء باريس، ولعل من أهمها ما أعقبها من إعلان رسمي عن تنقل زوجة أحد الإرهابيين بكل يسر وسهولة في الأراضي التركية حيث اعترفت حكومة العدالة والتنمية بأن حياة بومدين دخلت الأراضي التركية في الثاني من كانون الثاني وأقامت في فندق في اسطنبول لكنها غادرت الحدود التركية باتجاه سورية في الثامن من الشهر، أي أن كل ذلك قد تم تحت بصر الاستخبارات التركية ، وهذا اعتراف رسمي وعلني بالتورط التركي المباشر في كل قطرة دم سورية سفكت على امتداد أربعة أعوام، وكل الكذب الذي كان يتشدق به أردوغان وأوغلو وزبانيتهما أصبح مفضوحاً إلى درجة اضطرت فيها الخارجية التركية للإعلان بأنها عجزت عن إيقاف تدفق المسلحين عبر حدودها إلى الداخل السوري، وهنا لابد من تذكير تلك الوزارة بأنها كانت تنفي جملة وتفصيلا مرور المسلحين عبر حدودها و دخولهم الأراضي التركية، وهاهي نفسها بقدرة قادر تعترف بعد أن أسقط في يدها محاولة التنصل عبر إلقاء المسؤولية على دول الاتحاد الأوروبي التي لم تضبط إيقاع من يغادرها متوجها إلى تركيا كممر آمن للانضمام إلى مجاميع العصابات الإرهابية المسلحة التي تم تصديرها إلى الداخل السوري، وهنا أعود إلى الأمثال الشعبية ومن بينها المثل القائل : إلحقْ بالكذاب إلى وراء الباب ، وها هو الكذاب يعترف أمام الباب ووراءه بجرائمه فهل يستطيع القانون الدولي أن يرى النور في محاسبة أولئك المجرمين؟ |
|