|
ثقافة وطنٌ كبير.. خانتهُ شرايين حدوده, فأحدثت قطيعةً لُحميةً أدَّت إلى تمزُّقٍ إنسانيٍّ استهدفَ عافية وجوده.. كفكفَ نزيفَ نبضاته وخثَّرَ دمعَ آهاته, مستنكراً ما آلَ إليهِ الإحساس من فجيعةٍ أدخلتهُ في غيبوبةٍ سببها,
الصمتُ الكوني المُهين. ذاك الذي أجبرهُ على استلالِ الحقِّ تصدياً للصخبِ الذي أحدثهُ أهلُ البُغضِ ممن شيَّعوا إليه الموت اللعين. وطنٌ كبير.. عابقٌ بالوجدِ بشغفٍ لايُحدّ. حالمٌ بدفءِ الذكرياتِ المتأجِّجة, وعلى مدى اللحظاتِ التي استنكرتْ فوضى الحياة, وبعد أن طُعنتْ ففقدَت إلا لوعة مراقبةِ الجنازات المشيَّعة فوق تضاريسه. كلُّ التضاريس التي أرادتها الأهواء الملوَّثة مُدنَّسة, والتي كانت ولاتزال وستبقى أبداً مقدَّسة. وطنٌ كبير.. يعبرُ الآفاقَ في وعده.. يحملُ دمهُ الناري مشعلاً للريحِ, وبطقوسِ موتٍ عمَّدهُ حاضرهُ وغَدُه.. مُفعمُ بالحبِّ ومُتخمٌ بتكرارِ سؤالِ المعقولِ عن سببِ استتبابِ العقلِ فيه رغم جحودِ من استباحَ مداه ونهبَ محتواه, وتركهُ هائماً على مدى مساحاتِ اللهيبِ, يُرمِّدُ كل من اقترفَ فيه اللامعقول. وطنٌ.. كتبتهُ قصائدُ المحن على شكلِ أحرفٍ نبضها الشجن.. غرَّدت طيورُ الشوقِ فيه إخلاصاً لبوحه.. غنَّتهُ حناجرُ الأمهاتِ وجعاً أقسمَ ألا يدع الروح ترتدُ إليه, إلا بعدَ اقتلاعِ براثنِ الانقضاض العمياء التي استباحت فوحه. عانقَ أجنحة التمرُّدِ واحتضنَ الفضاءَ سبيلاً إلى عناقِ الشمسِ دفئاً لايحتضر ولايُساومهُ المصير.. تمدَّد الخفقانُ فيهِ فلا استسلام لأزمنةِ الضجيجِ المُولعة بنخرِ الحاضر العليلِ والملقى على حافةِ الضمير... لاكتهُ ألسنةُ الضغينةِ وألقتهُ في مهبِ اللهب.. ترقَبتهُ وزادتْ لسعاتها إلى أن توجَّع من احتراقٍ زادَ من هولِ اشتعالهِ, وإلى أن ردَّ عنهُ أذاها, وبجبروتِ مكانتهِ التي أحالتهُ إلى وطنٍ من غضب. |
|