تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المخطط العدواني لاستهداف إيران

دراسات
الأحد 10-1-2016
بقلم:عبد الرحمن غنيم

يكفي أن يمسك أحدنا بالريموت كونترول , ويقوم بجولة سريعة على فضائيات الفتن , وخاصة تلك المستحدثة التي أطلقتها أو بدّلت من مهمتها مملكة آل سعود بمناسبة شنّ حربها الإجرامية على اليمن ,

لنخلص الى الاستنتاج القائل بأن هذه الفضائيات تطبق المثل القائل « الكلام لك واسمعي يا جارة » ! فالحرب تشن على اليمن والتضليل ينصب على إيران ! . وجاء الاستفزاز اللاحق الممثل بإعدام الشيخ نمر النمر ثم قطع العلاقات ليمثل تصعيداً إضافياً , لا يمكن لأحد أن يتجاهل التزامن بينه وبين إعلان التحالف التركي الاسرائيلي وزيارة أردوغان للرياض محرضاً ضدّ إيران .‏

إن هذه الفضائيات التي بات عنوانها الرئيس « المخطط الصفوي « , حتى وكأن هذه هي تسمية القنوات المكرّسة للدعاية والتضليل والحرب النفسية , وإن بدت في أدائها لهذه المهام غبيّة , مكرّسة عملياً لمحاولة إثارة الفتنة في إيران . وهي تتخذ من الزعم القائل بأن هدف حربها الإجرامية على اليمن مواجهة النفوذ الإيراني في هذا القطر العربي ذريعة لشن حرب إعلامية على إيران هي في التحليل النهائي مقدّمة لشن حرب غير مباشرة على غرار تلك التي تشن على سورية الآن .‏

إن استهداف إيران بالنسبة للمخطط الصهيوني عبر وكيله السعودي هو أمرٌ لا بدّ منه إذا شاء المتآمرون وعلى رأسهم الولايات المتحدة المجندة في خدمة الشيطان الصهيوني تمكين إسرائيل من التوسع بين الفرات والنيل . والواقع أننا نشهد الآن كيف تجري الإعدادات لهذه الخطوة من المخطط . ففي أفغانستان وباكستان تجري بخطا متسارعة عملية التحاق أعضاء طالبان بتنظيم داعش بما ينطوي عليه هذا التحول من دلالات . وفي شرق تركيا بدأنا نسمع عن مجموعات إرهابية تحاول التسلل الى شمال غرب إيران من الأراضي التركية . وفي الجمهوريات الإسلامية في منطقة القوقاز تستمر المحاولات السعودية لتجنيد الإرهابيين التكفيريين , وبلغ من تكثيف الجهود في هذا الاتجاه الى حد الكشف عن وجود حوالي 57 ألف موقع على الإنترنت مكرسة لاجتذاب إرهابيين من دول وسط آسيا ومن ضمنها إيران . ولا شيء يمنعنا من الافتراض بوجود محاولات مماثلة في منطقة الخليج تستهدف محاولة التسلل الى جنوب إيران من خلال التوجه بالتضليل نحو الأحواز . وأما في العراق , فنحن نعرف أن الإرهابيين حاولوا الاختراق لإيجاد مواطئ أقدام لهم على الحدود مع إيران . وتأتي محاولات التحريض والتأليب على أساس مذهبي أو طائفي أو إثني لإثارة الشقاق وإشعال الفتن من خلال الفضائيات الخليجية أو السعودية لتكمل ملامح المشهد التآمري , بل إن العبث بأسعار النفط تعتبر جزءاً من هذا المشهد , حيث لم تكترث السعودية بتخفيض أسعار النفط بهدف الضغط على الاقتصادين الإيراني والروسي وإضعاف قدرة إيران وروسيا على مساعدة سورية اقتصادياً أو عسكرياً . فهم يسعون الى غزو إيران بالعصابات الإرهابية التكفيرية من جميع الاتجاهات , كما يسعون الى استهدافها من الداخل الى جانب استهدافها من الخارج , وهو ما يذكرنا عملياً بالأساليب التي اتبعوها في إدارة الحرب غير المباشرة على سورية . وقد باتت صحة هذا الاستنتاج ثابتة بعد إعلان إيران عن إلقاء القبض على عشرات الإرهابيين المدعومين أو المجندين من قبل دول رجعية في المنطقة كانوا يهيئون للشروع في ممارسة الإرهاب في إيران .‏

هم إذن لا يكتفون بمواصلة حربهم الإجرامية على سورية واليمن والعراق , بل يعدّون لحرب مماثلة على إيران . وعلينا أن نقدّر بأنّ الاتفاق حول ملف إيران النووي قد يعني إبعاد شبح الحرب الأمريكية المباشرة , لكنه لا يعني مطلقاً إبعاد شبح الحرب غير المباشرة أمريكية وغير أمريكية , وعلى نحو أدق حرب التحالف الذي يديره الشيطان الأمريكي لحساب الشيطان الصهيوني , خاصة إذا كانت هناك قوى إقليمية متواطئة مثل تركيا وبعض دول مجلس التعاون الخليجي , وإذا كانت الجماعات الإرهابية التكفيرية هي الأداة الرئيسية المعتمدة .‏

إن مثل هذه الحرب غير المباشرة على إيران هي – كما يعرف الجميع – مطلب إسرائيلي أساسي مثلما هي الحرب غير المباشرة على سورية مطلب إسرائيلي أساسي . فإسرائيل التي تتربّص بنا الدوائر لن تجرؤ على تنفيذ البطشة الكبرى التي تحضّر لها ما لم تتمكن من تقويض القدرات الدفاعية والهجومية لكل من سورية وإيران . وهي لا تضع أيّ حساب أو اعتبار لجيوش الدول الأخرى في المنطقة طالما أن هذه الجيوش في وضعية الخضوع والتبعية للإرادة الأمريكية المباشرة أو من خلال تحكم الولايات المتحدة بسلاح تلك الجيوش وذخائرها بحيث تستطيع أن تشفع وتمنع بما يتلاءم مع المصلحة الإسرائيلية . وهكذا فإن القوات التي تعتمد على الأسلحة الأمريكية عدا عن الالتزام المسبق المفروض على حكوماتها بعدم محاربة إسرائيل , لن تستطيع مواجهة إسرائيل حتى وإن قررت القيادات السياسية المحلية المتحكمة بها خوض هذه المواجهة , كما أنها لن تستطيع الدفاع الجدّي عن النفس بمواجهة العدوان الإسرائيلي عليها , لأن الأمريكي سيحجب عنها الذخائر وقطع الغيار مما يجعل قدرتها على الدفاع محدودة .‏

وهكذا , فإن أبسط تحليل لمعطيات المشهد , يقودنا الى الاستنتاج القائل بأن إسرائيل ترى بأنه توجد عقدتان أساسيتان أمام المنشار الإسرائيلي لا بدّ من التغلب عليهما وإزالتهما مسبقاً في سبيل فرض السيطرة على كامل المنطقة , وهما سورية وإيران . وطالما أنه لا توجد إمكانية إزالة هاتين العقدتين بأسلوب الحرب المباشرة دون أن ينطوي ذلك على خطر انفجار حرب شاملة قد تتحول الى حرب عالمية , فإن أسلوب الحرب غير المباشرة , مع استفراد كل بلد على حدة , هو آخر الأساليب التي وجد فيها الأمريكي ضالته لخدمة الصهاينة . وهم يعتقدون الآن بأن الأدوات التي جرّبت في سورية يمكن تجريبها في إيران أيضاً . ولعل هذا الاعتقاد هو الذي يفسّر التردّد الأميركي في الالتزام برفع العقوبات الاقتصادية عن إيران بموجب الاتفاق حول ملفها النووي.‏

وإذا كان المنطق يفترض إرجاءَ الحرب غير المباشرة على إيران إلى أن تصل الحرب غير المباشرة على سورية الى أهدافها الأولية , فإن علينا أيضاً أن نقدّر بأنّ ما نسمّيها بالأهداف الأولية قد لا تعني الفوز الكلي والنهائي لقوى العدوان والتآمر , كما أن معطيات الوضع تشير الى فشل المخطط وعدم قدرته على إنجاز أهدافه . ثم إنه من المنطقي الافتراض بأن مواصلة الحرب غير المباشرة على سورية تفترض مشاغلة إيران سواء جرت هذه المشاغلة في العراق أو اليمن أو على حدود إيران أو من داخلها لإضعاف قدرتها على مساندة سورية .‏

إن كون الحرب على سورية هي في طبيعتها وجوهرها حربٌ كونية يعني أن هذه الحرب يمكن أن تتوسع لتشمل دولاً أخرى بما يتفق مع طبيعتها الكونية . وواضح أن استثمار الإرهاب التكفيري الوهابي بات استثماراً كونياً قابلاً للتمدد في جميع الاتجاهات . ولكن من المنطقي أن نفترض بأنّ الأطراف المموّلة والمسلحة والمستثمرة لهذا الإرهاب يهمها في المرحلة الراهنة تركيز اتجاهات حركته بما يخدم الهدف الأساسي الذي يسعى إليه المتآمرون . وهذا الهدف الأساسي كما تدلّ عليه كل الوقائع والممارسات إنما يتمثل في محاولة تمكين إسرائيل من التوسع بين الفرات والنيل . وحيث أنّ الأطراف الإقليمية المتواطئة مع الأمريكيين تنسجم في سلوكياتها مع هذا الهدف , فإن الهدف الأساسي للحرب غير المباشرة الآن يتمثل في استهداف محور المقاومة , أي استهداف سورية وإيران , ومن ثم الإجهاز على المقاومات الفلسطينية واللبنانية وأي شكل من أشكال المقاومة العربية .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية