تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«لعبة» القطَب المخفية..!!

الافتتاحية
الأحد 10-1-2016
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم

يخرج المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا وقد التقط ما بقي من خيوط أرادت لها دمشق أن تنفك من عقدة التشابك، وقد أفردت أمامه ما يحتاجه وما لا يحتاجه من إيضاحات وتفسيرات لكثير من التساؤلات الافتراضية التي ساقتها الأسابيع الماضية وربما الأيام الأخيرة،

رغم أن الخطاب السوري لم يلجأ لها يوماً، ولم يشعر بالحاجة إليها، بحكم ما يمتلكه من عوامل وضوح وإيجابية في مقارباته للجهد الدولي بصيغه المختلفة، رغم ما يعتري هذا الجهد وحامليه أحياناً من شوائب كانت في أغلبها من خارج النص.‏

ويستطيع أن يحاجج بما أضافه الحديث السوري إلى رصيد جهده من محاكاة دقيقة لوقائع لا بد من أخذها على محمل الجد، وأن يتعاطى معها في محدّداته التي يبحث عنها خارج مسارب التهويل الإعلامي والتسويق الدعائي، الذي يجنح بطبيعته إلى الخلط المتعمد، بعد أن بدت تلك المحدّدات المحمولة على أجندة المبعوث الأممي وغيره في تجاربها السابقة، وكأنها طلاسم خارجة من أحجيات السياسة الأميركية المتلوّنة حيناً والمتبدّلة أغلب الأحيان خلف القطَب المخفية.‏

لا نعتقد أن هناك جديداً في استعداد سورية للمشاركة في اجتماعات جنيف في الموعد المقترح، وهو أمر مدرج على لائحة السياسة السورية منذ إطلاق أول مبادرة بهذا الاتجاه، ولم تتخلّف عن حضور أي استحقاق يمكن له أن يساهم في بلورة الحلّ السياسي وإطلاق مساره، وإن كان ذلك الاستعداد رسالة إضافية في التوقيت والمضمون.‏

لكن على المسار الموازي له كانت تقف المحدّدات الأساسية وتقلّباتها الناتجة عن حوامل غير سياسية وضعتها في ميزان المقارنة، حتى لو كانت في سياق البحث عن مناخات إيجابية تساهم في دفع الجهد الدولي من جهة، وتضع الحلّ على السكة الصحيحة من جهة ثانية، وهي محدّدات يبدو أنها كانت الغائب الدائم في كل المحاولات السابقة، ولا يبدو أن حظوظ المحاولة الحالية ستكون أفضل من سابقاتها.‏

فالتفاهم الحاصل في فيينا اشترط أن يكون هناك لائحة بالتنظيمات الإرهابية مع لائحة بالمعارضات المشاركة، وأن يكون هناك وفد موحد للحديث في المسار السياسي، وحتى هذه اللحظة يبدو أن المسألتين لا تزالان تهددان أي اجتماع قادم، بغضّ النظر عن الموعد المقترح، وبعيداً عن الاستعجال الأميركي في عقد الاجتماع، حتى لو لم تتوافر المحدّدات البديهية تلك، ما يضع عشرات علامات الاستفهام حول قطَب مخفية يُراد لها أن تبقى كذلك.‏

ومَردّ ذلك ببساطة شديدة إلى عاملين أساسيين: الأول يتعلق برغبة أميركية في إبقاء التسويف علامة مميزة في سائر المحاولات، بحيث يتم تمييع ما توصل إليه التفاهم الدولي، والثاني يرتبط بعجز أميركا وأدواتها في المنطقة عن الاتفاق على أسماء المرتزقة بما يكفي ليكونوا خير تمثيل لهم في تلك الاجتماعات، فيكون الالتزام بما يُملى عليهم حرفياً ومن دون أي إضافات من خارج النص الـمُحضّر مسبقاً، ما يعيد الأمور إلى المربع الأول، ويهدد أيّ نظرة تفاؤل ممكنة في سياق ما يجري تداوله.‏

الأخطر.. أن ما يجول فيه المبعوث الأممي لا يكقي لضمانة المحددات، وهو يدرك مسبقاً أن الكثير مما يعوّل عليه بات مجرّداً من فاعليته، ما دام هناك تسويف وتمييع يعتمد على الموقف الأميركي، والأخطر أن لا قوة فاعلة لما يحمله من إضافات في ظلّ استباحة أميركية سعودية واحتكار لما تسميه معارضة، حيث الفارق بين ما يعرضونه في بازار التسويق السياسي، لا يعدو كونه إعادة إنتاج هياكل متآكلة بطرابيش إضافية.‏

لا نريد للمبعوث الدولي أن يزيد من بعثرة ما لديه من ملفات متعارضة ومتناقضة مع مبدأ مهمته، وما هو بالأساس غير قابل للجمع تحت سقف واحد، ولا أن يحمّل ما يفيض عن نَص المهمة الدولية الموكلة إليه، لكن من باب الحرص على مهمته وعلى دوره وعلى مصداقية المنظمة التي يمثلها، يبدو أن غياب المحدّدات الأساسية لن يكتفي هذه المرة بإعادة الأمور إلى المربع الأول، بقدر ما سيخرجها من سياقها الأساسي، ويضيف إليها روافد من «القطَب المخفية» في طبخة الحصى التي يُراد أن تكون على طاولة جنيف للدعاية والتصوير الإعلامي أكثر مما هي حاضرة للمساهمة في إطلاق المسار السياسي.‏

لن ندخل في معايرة مع معادلات بديهية حاضرة في سياق الرد على «لعبة» القطَب المخفية، ولا في تفنيد لغة التجيير الواضحة التي أنتجت حيّزاً إضافياً من العراقيل والعقبات، بل في مفخخات موقوتة داخل الجهد الدولي، ولا يتردد البعض في التلويح بتفجيرها، حيث التعامي عن تلك القطَب وغياب المحدّدات يشكِّلان بوابة للنزوع المسبق نحو تعطيل لا تخفيه الرغبة الأميركية ولا تنفيه التمنيات السعودية، ولا تتردد في التعويل عليه الأذرع الإرهابية، وتنظيماتها المستنسخة من النسغ الوهابي وجواره الإخواني.‏

a.ka667@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية