|
الافتتاحية ويتزامن ذلك مع تسريبات تولت أمرها الصحافة الأميركية وأتباع مذهبها في العالم الغربي، والمستنسخ منها في المنطقة للحديث باستفاضة عما دار وحدث. ورغم اليقين أن الكثير مما قيل تحليلاً وما سيقال استنتاجاً في الإعلام أو في غيره - خصوصاً ما يُبنى منه على فرضية التسريب - ليس له ركائز على أرض الواقع، إلا أن هذا لا يلغي أبداً الحديث عن متغير حاصل، حتى لو بدا تكتيكياً في جوهره، واقتضته التطورات الأخيرة، التي شهدتها الأزمة في سورية، وأفضت بالضرورة إلى تعديل كثير من الحسابات، وتبديل في الأولويات. في الحديث المعلن ثمة منعطفات لا تخطئها العين، ولا تتوه عنها أذن المتابع لما شهده حديث الوزيرين لافروف وكيري، وخصوصاً في مناخ الحديث عن تقارب أو عن تفاهم على البحث عن نقاط تقارب بين النظرتين، وتغض الطرف عما يختلفان عليه جوهرياً، أو ما يتناقضان في الحديث عنه. إذا كانت الأمور في المبدأ مرهونة بخواتيمها، فإنها في السياسة تبدو مرتبطة بالإرادات مثلما هي محكومة بالمصالح، وفي الإسقاط على الموقف الأميركي، نجدها محكومة بالأمور الثلاثة معا، لأن التجربة مع المصداقية الأميركية حيال أي موقف لا تشجع. فقراءة مفهوم المصالح وحدودها حين تكون مع الأميركيين موضع خلاف، والحديث عن الإرادة الأميركية ذو شجون لا تنتهي، أما خواتيمها ففي غالب الأحيان لم تكن مقنعة ولا كافية للركون إليها أو الاتكاء عليها للوصول إلى أي استنتاجات جدية. لن نستبق الحدث، ولسنا بوارد ذلك على الإطلاق، لكن من الضرورة بمكان التعاطي مع المسألة بكل الأوجه التي قد تنطوي عليها، خصوصاً حين نقارن بين الأقوال والأفعال، وبين ما يطلقه وزير الخارجية الاميركي، وما يذهب إليه الكونغرس الأميركي من خطوات لتسليح الإرهابيين وما أعلنه البيت الأبيض من استمرار لذلك ، حيث الازدواجية الأميركية حاضرة وفي كل الأحيان. على هذا الأساس سيكون من الصعب الأخذ بالمشهد كما هو، دون ان يقترن ذلك بخطوات فعلية على الأرض توازيه، أو تترجم إعلان النيات وتعكس جدية الطرح لسبيين اساسيين: الأول يتعلق بسجل طويل من النفاق الأميركي الذي لم يتوقف، وبالتالي ليس هناك ما ينفي تصنيف الحديث الأميركي في موسكو في هذا الإطار حتى يثبت العكس، حيث اعتادت الإدارة الأميركية أن تمارسه ليل نهار، ولم يشفع لها المكان يوماً. والثاني يتعلق بأداء الوزير كيري، وتلون مواقفه، وتبدل قناعاته، كما هي الإدارة الأميركية بالعموم، التي تتعاطى مع مسائل كثيرة بشيء من التراجيديا غير الواقعية، ولا تشعر بالحرج إذا ما قالت الشيء ونقيضه، ولا إذا جاء كلام النهار ليمحو كلام الليل. في كل الأحوال ما هو مؤكد أن البحث عن حلول سياسية ستتقاطع معه كل المواقف الجادة والصادقة، وسواء صدق كيري في مواقفه أم كان فقط لمزيد من المماطلة ريثما يتغير المعطى على الأرض، فإن ما جرى رسخ منعطفات لا يمكن العودة عنها، سواء اقتضت الضرورة مرة ثانية أم لم تقتضها، وسواء كان للمناورة أو يعكس جدية فعلية. غير أن المحسوم أكثر من هذا وذاك أن الوقت لم يعد لمصلحة الأميركي وحلفائه، ولا هو في جانب أدواته ومرتزقته، ولا هو أيضا في كفة إرهابييه، إذا كانوا يعولون على سيناريو جديد لدعمهم أكثر، وما هو متاح اليوم لن يكون كذلك غداً، مثلما تحول ما كان متاحاً في الماضي إلى مستحيل اليوم، ويدرك الأميركي أكثر من سواه أن هذا ليس تحليلاً أو استنتاجاً ولا هو تهويل أو مبالغة، بل يحاكي واقعاً لمسه الأميركي، وفي حسبة بسيطة لأوراقه المتداولة اليوم يستطيع أن يحصي كم خسر منها وكم سيخسر لاحقاً. فالفرصة السانحة اليوم أمامه للانخراط فعلياً في البحث عن حل سياسي لن تكون ذاتها بعد حين!!. |
|