|
الإثنين 12-1-2015 مهما كان وضعه في الوطن، لأن الوطن في خطر، فهو -أي المثقف - الأكثر دراية بما يخطط للوطن من مؤامرات، والأكثر قدرة على قراءة مايجري بعمق، والأكثر فاعلية في المجتمع، والأكثر صلابة في مقاومة الإغراءات، ولأنه تلك الطاقة الوطنية الكبيرة التي تحتاجها الجماهير، وتحتاجها الثقافة، والقوى السياسية الوطنية لبناء مشروع الأمة، سواء أكان هذا المثقف منتمياً إلى حزب سياسي وطني أم لم يكن منتمياً، لأن المثقف - في جوهره الفكري، والوطني - هو إنسان منتمٍ إلى الوطن، وقد خُلق في الأساس لأداء دور تبشيري، وتغييري، ونقدي، وأخلاقي، وثقافي، وتنويري في وجه أي نوع من أنواع الظلامية الفكرية، والخنوع السياسي، وبإرادة إلهية، لأن تلك القيمة الفكرية زرعت في جيناته، وأي ممارسة لتلك الإرادة خيانة لنفسه ولوطنه، كما يقول الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف، ويقول المفكر إدوراد سعيد: يجب أن يلعب المثقف دور الناقد، والمصحّح، ومن الخيانة أن يقف على الحياد متفرجاً على مايجري في الوطن، أو أن يبيع نفسه لأعداء الوطن. في كل المراحل التاريخية، كانت المجتمعات العربية تزخر بالمثقفين القادة سياسياً، وثقافياً، وعلى كاهلهم، نهضت حركات التحرر، ومشاريع العمل النهضوي، وتوهجت مرتسمات بناء المستقبل، ويمكن القول إن المثقف السوري كان الأبرز في العالم العربي بانتمائه لوطنه وأمته، وفي مواجهة المستعمر ، والقوى الظلامية الرجعية منذ نهايات القرن التاسع عشر، وطوال القرن العشرين، فهو من قاد مشروع الخلاص من الإمبراطورية العثمانية المريضة التي أغرقت العالم العربي والفكر الديني والوطني، بعتمة الجهل والتبعية، والاستسلام الغيبي، وهو من قدّم الشهداء، وقاد نضال الاستقلال للتخلص من الاستعمار الغربي، ورسم بفكره وتطلعاته المشروع النهضوي الوحدوي من عبد الناصر إلى حافظ الأسد. والسؤال: هل يلعب المثقف العربي اليوم الدور المطلوب منه في هذا الزمن الصعب الذي يمر فيه الوطن، أم أنه أضلّ طريقه، أو أن جهات اشترته، ووظفت طاقاته في الاتجاه المعاكس، أي في الاتجاه المعادي للوطن والجماهير، أي تحوّل من قائد تغييري بالمعنى الإيجابي، إلى قائد تكفيري، وتضليلي، وتخريبي للفكر، والثقافة، والمصطلحات التخريبية، والتفكيكية للجغرافيا، والأفكار، والأديان. يقول الكاتب الفرنسي كينار: «غياب المثقف الوطني عن المجتمع، موت من نوع سيئ لهذا المجتمع، وموت للمثقف، فالكاتب جرس يعلن النهوض لمن غلب عليه النعاس». يبدو أن أعداداً كبيرة من المثقفين تخلّت عن دورها الطليعي، إما بالوقوف السلبي على أرصفة الأحداث ترقب الوطن، أو باعت نفسها، وعقولها، وأصواتها، وإبداعها للأنظمة النفطية، ولأسياد هذه الأنظمة النفطية. للأسف.. إن بعض من كان محسوباً على الاتجاهات الوطنية والقومية والتقدمية، بات اليوم تحت مظلّة المال النفطي، وبالتالي تحت مظلّة الفكر التفكيكي، التكفيري، المعادي للديمقراطية، ويعمل على تسويق الوهّابية، والفكر الإخواني المعادي لروح الأمة العربية.. وبعض المثقفين تحوّل إلى ضفادع طائفية، ومذهبية، وإثنية تنقّ في وسائل إعلام مموّلة من جهات معادية للأمة العربية، ولسورية الدولة، والمقاومة، والعروبة.. إننا نسمع اليوم كثيرين من هؤلاء في محطات سفك الدم السوري، يحرّضون على سفك مزيد من الدم والقتل والتخريب في سورية..ويطلقون أصواتهم كريهة كالنباح ، وقد بدا هذا المشهد عاصفاً بالحقد على سورية، وعلى الشعب السوري بعد خطاب السيد الرئيس بشار الأسد الأخير، لقد تحرّك هؤلاء المثقفون على كل شاشات سفك الدم، يحرّضون، ويشتمون بلغة متدنّية، سخيفة، قذرة، تحريضية، دموية. إن أولئك قتلة ، بل أكثر دموية من هؤلاء الذين جاؤوا من كل أطراف الدنيا برعاية أمريكية خليجية صهيونية لتدمير سورية، لأنهم يدمّرون الفكر، والثقافة، ومنطلقات الوطن القومية والنضالية، ويعملون على تفكيك الثوابت والأسس التي تربط السوريين بعضهم ببعض، وبالأمة. |
|