|
وضيق خيارات المناورة لإيجاد مثل هذه الخصوصية، فالصورة الفوتوغرافية، التي هي نتاج تواطؤ عينين، عين الكاميرا، وعين المصوّر، تكون حصيلة هذا «التواطؤ» هو ما ينقل المصوِّر إلى درجة فنان، وهنا تكمن الصعوبة، مع سهولة اقتناء آلة التصوير، ومن ثمّ كثرة المصورين، و بالتالي البحث المضني للتميز..
صحيح أن الكثير من هؤلاء المصوريين بقوا هواة وحسب، غير إنّ قلة يُعتدُّ بها أثبتت وجودها في المشهد التشكيلي السوري. رحلة نضال كثيراً ما ساورني الشك حول المثل الصيني الذي يزعم أن «الصورة تعادل عشرة آلاف كلمة» وليس أدل على هذا نفي هذا الزعم - على سبيل المثال- إلا في تجربة نقل الروايات الأدبية إلى الشاشة، سواء في أفلام سينمائية، أو في مسلسلات تلفزيونية، فقد أثبتت الكثير من تجارب هذا «النقل» إن الصورة غالباً ما كانت تتقهقر أمام الكلمة الموحية بآلاف الصور، وليس الصورة الموحية بآلاف الكلمات. ومع ذلك ستذهب الصورة في رحلة نضال طويلة، وكما الكلمة، من العادي إلى الفن، وهي أي «الصورة «أول ما بدأت، فناً، بعكس الكلمة، وكان ذلك منذ سنين طويلة، على يد الأخوين الفرنسيين «لوميير» و.. رغم كل هذه الصعوبة، سيبرز في سورية مجموعة من المصورين، الذين هم في حكم الفنانين التشكيليين، ولكلّ منهم خصوصيته الفنية، التي تختلف عن الآخر، نذكر منهم: الراحل وافد حيدر، أنس إسماعيل، وائل الضابط، عبد الحميد هلال، بشار العظمة، أيمن علي، بشار العظمة، بسام البدر، أيمن السليم، قبل أن يتجه صوب النحت ويستقر فيه، فيما بقيت «عيون النساء» خجولة في هذا المجال، وهنا نذكر بالفنانة حسن ضحى حسن، و..هشام زعويط، غير أن القائمة لن تطول كثيراً، وهي بالكاد تصل إلى العشرة..!
من حوامة فقد جاءت صور زعويط - الذي كان يلتقط صوره من حوامة - لاتفتقر لفضاءات التخييل، ولم تكتفِ بمعطيات المكان فقط، فيذكر: قبل أن أحلق في المروحية، عرفت الفرق بين صور السائح العابر الذي ينشد الغرابة، وبين العين المحبة التي تقف وراء العدسة لتصور المعشوق بفرحه وألمه وجماله وجلاله، فجاءت الصورة تؤرخ اللحظة الهاربة، أو الفرصة، كما يسميها مصورو الجو، في إظهار روح المكان، وعمره أيضاَ، والحالات التعبيرية التي أعطاها اتساع زوايا الجو أمداء جمالية أخرى كما «وثيقة للجمال والحياة».. فيما جاءت صور هلال، وكأنه يغرف لقطاته من متحف «الأرض الكوكب الجميل، الذي هو من الرقة بحيث أن أقل شيء يخربه» وهذا ما سجلته عدسة العظمة والضابط من تثبيت اللحظات التي تهرب من بين الأصابع، أومن مرأى العين أيضاً فيما كانت العدسة بين يدي وائل الضابط أقرب إلى ليونة الريشة، أو كمن ينحت بأزميل. وأما عبد الحميد هلال سيختلف شغله عن الكثيرين الذين أغوتهم الكاميرا وسحرها، فهو إضافةً لإصراره على الكاميرا الكلاسيكية القديمة وعمليات التحميض التي تأتي بعد تصوير اللقطات- وهو إلى اليوم لم تستطع آلات التصوير الرقمية أن تغويه أو تشده لاستخدامها- مع ذلك هو سيذهب بعيداً ليقدم الأعمال الفطرية والعفوية لما استقرت عليه حركات الطبيعة التي تحاكينا في تصرفاتنا. حمالة شقاء في مستوى آخر يذهب عبد الحميد هلال في منحى السخرية، وأخذ اللقطات الكاريكاتورية، ليس في حركات الصخور وجذوع الأشجار فقط، بل في حركات الحيوانات والبشر، كحالة الحمار الحامل لباقات القمح، وقد أغرقه صاحبه بالحمولة حتى لم يعد يظهر منه سوى رأسه..! ولأن الشقاء لا لون له إلا الأسود، كان أن اختارت ضحى حسن تقنيات التصوير القديمة، أي الأسود والأبيض، والأخير الذي لا يأتي إلا لإبراز السواد، وتبيان تدريجاته، مع مساحة واسعة للرمادي، ولأن الوجوه حمالة شقاء، أو الوجوه التي تفعل وترتسم عليها الأفعال السيئة للجوع خطوطها المرعبة، أو أن أشد الوجوه شقاءً هي وجوه الأطفال، من هنا كانت الفنانة أن لاحقت هؤلاء الأطفال في تحركاتهم، لعبهم، انتظارهم، و..حتى في «وقفتهم «لأخذ الصورة..! يتميز شغل أنس إسماعيل من ناحيتين، تتعلق الأولى بالموضوع المختار والثانية بالتقنية المستخدمة والمشهد البصري وإيحاءاته، والحقيقة أن الموضوع الذي تناول الحركة التعبيرية على خشبة المسرح هو موضوع غني فنياً ولم يسبق للتصوير الضوئي تناوله من حيث دلالاته التشكيلية ووحدة الموضوع المتناغمة تفاصيله مع فكرة المشروع الذي بلوره. وليس من قبيل المبالغة اعتبار عدسة الفنان أنس إسماعيل قد أعادت إلى الذاكرة أمجاد مسرح البلشوي وذلك بالقيمة الفنية التي أضفتها على الحركة التعبيرية المختارة. عين على المسرح ثمة عدسة ترصد حركة بشرية تحدث على خشبة المسرح، لكن ما يلفت الانتباه عند النظرة الأولى لأي عمل من هذه الأعمال ليست تلك الحركة وإنما أسلوب معالجتها فنياً وهو ما يحمل للحديث بجرأة عن اقتراب الكاميرا وهي (آلة في نهاية المطاف) من الحلول محل مواد الرسم وتقنياته لتقديم مشهد بصري يشبه إلى حدٍ ما المشهد التجريدي المعاصر حين يلعب بهذه المواد (الآلة وبقية العناصر) مصور يمتلك عاطفة فنان وخيال وحدس ودقة ملاحظة فنان مع المعرفة بقواعد التكوين التي تتلاقى في كثير من النقاط بين اللوحة والصورة الضوئية. فيما لم يكتفِ بشار العظمة - كعادة المصورين - باصطياد الضوء، كهدف أساسي لعين الكاميرا، فقد استطاع التقاط حالة الضوء متلبساً باللون، ومن ثمّ كان أن اصطاد «اللحظة «الهاربة، والمتحركة، ويثبتها في حالة تلبّسٍ بالجمال، أو بحالةٍ نادرة من الدراما، تصل أحياناً لحدود التهكّم، من هذا الصيد ويبني لوحته فنياً، من الحركة والسكون للتكوينات، والكتل، التي لا تهدأ، بحيث تأتي اللقطة، وكأنها حدثت الآن وهنا، وقد استطاع المصوّر أن يوقفها، ويتوافق معها alraee67@gmail.com"ذاته.. alraee67@gmail.com"الآن alraee67@gmail.com"ذاته.. alraee67@gmail.com">في alraee67@gmail.com"ذاته.. alraee67@gmail.com"الآن alraee67@gmail.com"ذاته.. alraee67@gmail.com |
|