|
مجتمع وبعد مرور سنة من الحرب على سورية واستمرار تصاعد التهديد ضدها واستمرار الإجراءات اللاإنسانية ضد أبنائها من حصار ونهب وسرقة قال البعض: انتهت سورية! وبعد مرور سنتين وثلاث وأربع سنوات بقيت أسئلتهم حائرة وبقيت أجوبتنا حاضرة ومحللو الاقتصاد والحياة والذين جلدوا أنفسهم منذ بداية الأزمة في قضايا شتى منها أن الحياة في سورية قد يصيبها الشلل بعد أشهر قليلة فالطرقات ستكون تحت رحمة الإرهاب والمستوردون سيغضّون الطرف عن الإنتاج السوري لصعوبة الحصول عليه والبنى التحتية لن يكون بمقدورها أن توفر الشروط الأساسية لاستمرار الإنتاج إلى آخر القائمة التي تكرّس التشاؤم جزءاً من تفكير السوريين لو أنهم كانوا على دراية بحقيقة الإنسان السوري لما قالوا ما قالوه، ولا ننكر هنا أننا لم نتأثر بل أننا وصلنا إلى مستويات اقتصادية لم نكن نتصور الوصول إليها، وربما أخذتنا الدهشة في بداية الأمر فوقفنا شاردين لبعض الوقت لكن جمر الحياة فينا هبّت عليه رياح الأمل بعد أن نفخ جيشنا البطل الروح على رماده فإذ بالحياة تحيا من جديد، وسنسمح لأنفسنا أن نتجه بالحديث إلى جانب مهم من حياة أبناء الريف السوري على وجه التحديد ونعني بذلك الزراعة بكل ما تشكله من قيمة وأهمية في حياة ممارسيها إذ يربطون كل شيء بموسم القطاف وفي كل موسم زراعي جديد كانت تلوح في الأفق بوادر متاعب جديدة في هذه الزراعة سواء من حيث استمرار ارتفاع تكاليف إنتاجها أو من حيث ازدياد مشقة تسويقها أو من حيث الظروف المناخية المتقلبة فجفاف الموسم الزراعي الماضي لا تمحوه وفرة الأمطار في الموسم الحالي ومع هذا لم يترك الفلاحون أي شبر أرض بوراً فكيف نفسّر هذا الإصرار وإلى ماذا قادنا كوطن وكمجتمع لنعمم بعده مفردات هذا المثال على كل القطاعات؟ قضيت ثلاثة أيام متتالية بين مزارعين من محافظة طرطوس، هذه الأيام أولها سبق العاصفة التي أسموها «زينة» وثانيها أثناء العاصفة وثالثها يوم تفقّد أضرار هذه العاصفة فما الذي سمعناه؟ نستطيع أن نختصر وننقل ما قاله لنا معظم المزارعين وهو أنهم – أي المزارعين- جُبلوا بهذه الأرض وعاشوا على خيراتها وعلّموا أولادهم مما تمدّهم به من مصدر دخل ولم تبخل عليهم في يوم من الأيام وسنستمر بذلك لأننا ملتصقون بها وفيها نجد أنفسنا، وعندما وضعنا الأمور في ميزان الربح والخسارة فقد ذهب بعضهم إلى حسابات الورقة والقلم فوجد أن أجرته اليومية قد لا تتجاوز المئتي ليرة سورية متجاهلاً كلفة الإنتاج والقلق عليه ومع هذا فهو راضٍ، وبعضهم ذهب إلى ما تعنيه هذه الزراعة كمصدر لـ»السترة» ولو اكتفى باسترداد ما دفعه من كلفة، وبعضهم الثالث وجدها خياراً وحيداً متاحاً أمامه أي مكره أخاك لا بطل! أما القلق والخوف من تقلبات الطقس من جاف إلى عاصف إلى جليد وغير ذلك فهذه الأحمال كلها يلقونها إلى رب العالمين وأنه لا هم ولا غيرهم يستطيع أن يواجهها مهما اتخذ من احتياطات وبالتالي فهي لا تزعجهم ولو قادتهم إلى الخسارة وعندما يتمنون وجود جهة تعوض عليهم هذه الخسارة فإنما يذكرون ذلك بشيء من الحياء والخجل لأنهم يعون تماماً الحالة الاقتصادية للدولة ويتذكرون أن هذه الدولة لم تقصّر معهم في يوم من الأيام ومعظمهم كان يخفي هذا الطلب للأسباب ذاتها.. هذا هو الفلاح السوري البسيط والذي لا تسمح له ساعات عمله الطويلة أن يكون داخل التفاصيل اليومية للأحداث بشكل دائم ولكن بإحساسه الفطري وبما تعلمه من الأرض يدرك أن عليه أن يزرع أرضه باستمرار و«الرزق على رب العباد» وبصراحة أكثر فإن معظمهم لم يفكر بقطع طرقات تصريف الإنتاج من قبل المجموعات الإرهابية ولم يبالِ أي منهم بموضوع الحصار والذي قد يحول بينهم وبين الحصول على بعض مستلزمات إنتاجهم لكنهم بالإجماع يدركون أن إنتاجهم الزراعي يعزّز صمود بلدهم ويوفّر لأخوتهم في الوطن الغذاء ومن يأكل مما ينتج لا يستطيع أحد أن يتحكّم بلقمة عيشه، فسلام على تلك الزنود السمر والجباه المشرقة بالعطاء وهم الذين قضوا الأيام السابقة في عين العاصفة وفي درجات حرارة دون الصفر من أجل إنقاذ محصولهم لتصلنا حبّة البندورة إلى بيوتنا زاهيةً بلونها الأحمر.. |
|