تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بارك الله النار تحرق وتضيء

المهماز
الأحد 29/7/2007
الكاتب الكبير زكريا تامر

بارك الله في هذا الصيف الملتهب الذي سيدرب العباد على نار تنتظرهم بلهفة وشوق.

بارك الله في هذا الغبار, فهو سيجعلنا غير مرئيين يوم المعركة.‏

بارك الله في مدن ذات أبواب قديمة لم تفتح يوماً للترحيب بالغزاة المحتلين.‏

بارك الله في بلاد خاضعة لزعامات تجرها إلى سيول من الدماء, والبلاد خروف يثغو ويهرول بغبطة نحو السكاكين.‏

بارك الله في ملاكمين يصولون ويجولون في الحلبات السياسية, ولا تصيب ضرباتهم الموجعة غير جمهور المتفرجين.‏

بارك الله في شوارع ملأى بالحفر, وقادرة على خلق شعب رياضي يتحدى المحن.‏

بارك الله في نهر عريق متواضع كاره للمدائح, وكلما امتدح تضاءل ماؤه متحدياً مداحيه هازئاً بهم.‏

بارك الله في هذا الخبز, فهو الرفيق الصامت للملايين, ولو رشح نفسه في انتخابات مجلس الشعب لفاز بأرقام قياسية.‏

بارك الله في هذه القبور, فهي أصغر بيت نسكنه, ولا نخجل منه.‏

بارك الله في هذا الورق الأبيض, فهو الصديق الأمين الموثوق به والصابر على اللغو المضجر.‏

بارك الله في كلمات لا تفتتح دكاناً تبيع فيها ما تملكه من ثروات تتخلى عنها لكل من امتلك القدرة على الشراء.‏

بارك الله في أطفال موهوبين يحفظون دقائق السير الذاتية لرونالدو وبيكهام وزيدان ويظنون أن عقبة بن نافع هو مذيع خليجي يقدم برنامج ( الاتجاه المعاكس ).‏

بارك الله في كتاب أوفياء لوطنهم يساهمون بإخلاص وتفان في إنقاذه من أزمات سكانية عاتية عن طريق كتاباتهم التي تنشر الضجر والاشمئزاز والقنوط, وتحض الناس على الهجرة إلى الصومال وطلب اللجوء السياسي إليها.‏

بارك الله في جرائد كثيرة الصفحات, فربات المنازل يستفدن منها في أمور شتى لا علاقة لها بالقراءة.‏

بارك الله في صحافيين يحرصون كل عام على الحج إلى بيت الله الحرام وطلب العفو والمغفرة لكونهم يخطئون أحياناً حين يضطرون إلى قول الصدق المؤذي الممقوت.‏

بارك الله في اقتصاد تدعم استقلاله نساء يرتدين ما قل ودل من الثياب حرصاً منهن على ألا يستهلكن الكثير من القماش المستورد من الخارج بالدولار واليورو والجنيه والين.‏

بارك الله في زوجات متسامحات رحيمات غير مؤمنات بأن العصا لمن عصى.‏

بارك الله في كتب جديدة صدرت حديثاً, لا تضر ولا تنفع, وتبرهن على أن مؤلفيها صانعو معجزات في زمان لا معجزات فيه.‏

بارك الله في حيطان خرساء تسمع الكثير من دون أن تسجل ما تسمعه وتبيعه لمن يهمه الأمر.‏

بارك الله في قطط واعية تعرف ما لها وما عليها, اختارت العيش في منازل فقراء, ولكنها لا تمس طعامهم وتكتفي بحراسته, وتسرق طعامها من بيوت الجيران.‏

بارك الله في موظفين حكوميين يستحون من جلب سررهم إلى الدوائر الرسمية, ويكتفون بالنوم في بيوتهم.‏

بارك الله في تلك العصافير المغردة, فهي تغني للناس الذين يبادرون إلى مكافأتها بإطلاق النار عليها وأكلها مقلية أو مسلوقة أو مشوية متلمظين راغبين في المزيد.‏

بارك الله في جيوب ساحرة لا تختلف عن غيرها من الجيوب, ولكنها تتسع لكل ما ينهب من قصور وفيلات ومزارع وشوارع وسيارات وبنوك.‏

بارك الله في أهل الصغار النوابغ القادرين على تأليف موسوعات تضم المبتكر والجديد من الشتائم المبدعة, وتتيح لبلادهم أن ترفع رأسها عالياً بين الأمم.‏

بارك الله في هذه الشوارب الكثة, فلولاها لما عُرفت الآن الفوارق بين الرجال والنساء.‏

بارك الله في أشجار تزهر وتثمر, وتستسلم بغير تذمر للفأس حين تشيخ, وبعضها يتحول مشانق يستخدمها حالياً الصينيون لتأديب المرتشين والفاسدين, وقد أمرنا نبينا الكريم بطلب العلم ولو في الصين.‏

بارك الله في هذه الأرض الصابرة التي لا تزال تحمل على ظهرها ما هبّ ودبّ من المخلوقات البشرية.‏

بارك الله في هذه السيوف المتقاعدة المعلقة على الجدران, فقد أثبتت أن كل زمان له أسلحته ورجاله, وهي تنبه إلى أن الدفن العاجل هو النهاية اللائقة لتلك الجثث المتعفنة التي تظن أنها صالحة لكل الأزمنة والأمكنة ولكل المناصب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية