|
اضاءات والأحداث المشوقة، واللغة السليمة التي يشتمل عليها قاموس الطفل اللغوي، وجمالية النص، إلى جانب روح المرح التي تفجر ضحك الصغار، والابتعاد عن الوعظ المباشر، وخطابية الحوار، ومنطقية الأحداث في تصاعدها الدرامي، ومراعاة طول المسرحية زمنياً بما لا يتجاوز نصف الساعة، أو أكثر بقليل. ودون أن ننسى في مسرح (أطفال المرحلة العمرية الأولى) أن الأمر يسير كما هو حال الكتاب.. حيث تكثر الحركات على حساب الكلام أو الحوار، شأنه شأن الصورة مع الكلمات، ولابأس من أن يبدأ العرض من مشهد متأخر توفيراً لمشاهد في النص قد لا يستسيغها الطفل، إلى جانب الإيقاع السريع للعرض حتى لا يقع الطفل المشاهد في الملل. وإذا كانت (السينوغرافيا) بمكوناتها مجتمِعةً تشكل عنصراً مهماً في العمل المسرحي فإن لسينوغرافيا مسرح الأطفال، والتراثي منه على وجه الخصوص، أهمية أكبر.. فهي البوابة العريضة التي سيدخل منها الطفل إلى عالمٍ ليس فيه سوى خشبة المسرح، وما يدور فوقها، تلك الأهمية التي تقع على درجة موازية للنص، هي التي تخلق جو القصة التراثية، وبما يحقق اندماج الطفل الكامل مع المسرحية، وتَمثُله لها بالشكل الصحيح. ومادامت لهذه التقنية خصوصية في التعبير عن أجواء التراث واستحضارها، وبالشكل الذي يقنع ذلك الناقد الصغير الذي هو الطفل، ونحن نأخذ بعين الاعتبار دقة ملاحظته للتفاصيل الصغيرة في المشهد المتسع، فما بالنا ونحن نتوجه بهذا المسرح إلى طفل القرن الحادي والعشرين؟.. والذي انفتحت أمامه بوابات عوالم الطفولة على أرحب مساحاتها مادام هناك التلفاز، والسينما بما تعرضه كبريات شركات الإنتاج من أفلام للأطفال تقوم على كل ما يبهر الكبير قبل الصغير، وبالأبعاد الثلاثية أيضاً، وكذلك ما تبثه شبكة المعلومات، وما تُخزنه الأقراص المدمجة، إلى جانب الألعاب الإلكترونية، ومدن الألعاب، وغيرها. فكيف إذن سنسرق الطفل من هذه العوالم الفاتنة إلى المسرح ما لم يكن هذا الأخير موازياً في إبهار عروضه؟ وإذا كانت (السينوغرافيا) ليست عناصر لونية، أو تشكيلات مادية فقط، بل هي فكر يتعامل مع منطق الأشياء في استحضارها، فإنها وحدها القادرة على جعل المستحيل ممكناً، وإذا كان المسرح هو أبو الفنون لأنه يشتمل على الغناء، والموسيقى، والرسم، والتمثيل، والتأثير المباشر على المتلقي، فلا أقل في مسرح الطفل الآن من تقنيات في الإخراج، و(السينوغرافيا) التي تمثل الديكور، والإضاءة، والموسيقى، والرقص، والأزياء، والمؤثرات الصوتية والبصرية، ولا أقل أيضاً من المؤثرات التقنية الحديثة التي أصبحت متاحة وهي تغني العرض المسرحي، وتحقق فيه عنصر الدهشة التي تصل إلى حد الإبهار. إذاً فلكل هذه العناصر، والتقنيات مجتمعة دورها الفاعل، والمؤثر مادام المسرح يمهد للطفل أمام التفاعل الاجتماعي من خلال تفاعله مع غيره من الأطفال أثناء التمثيل، وخاصة من خلال الأدوار التي يقوم بها.. كما استيعاب النص عند تمثيله، وهذا يعتبر رديفاً لدور الأسرة في التنشئة الاجتماعية، وخاصة في مراحل العمر الأولى، ووضعه ـ أي الطفل ـ من خلال المسرحية على الخط الفاصل بين الخطأ والصواب، ونحن في زمن التكنولوجيا التي أصبحت كعالم اللامعقول.. ونحن مطالبون بتطوير خطاب الطفل بما يتناسب والبيئة التي أصبح يعيش فيها.. وربما قصة، أو مسرحية عن رحلة فضائية تثير خيال طفل اليوم أكثر من أجواء غابة مسحورة لم يألفها الطفل في مشاهداته الحياتية، لأن مفهوم الغابة بما فيها من أسرار لم يعد اليوم كما كان عليه الحال بالأمس. ومادام الربع الأخير من القرن الماضي قد شهد ثورة في عالم الاتصالات، والتكنولوجيا، وما يهمنا منها في هذا السياق الثورة في عالم الشاشات، وأفلام الرسوم المتحركة للأطفال، واهتمام الشركات العالمية بأعمال الأطفال، وثبت على وجه التاريخ عالَم فريد هو عالَم (والت ديزني)، وما اخترعه من شخصيات عُممت على العالم كله، فقد أصبح للطفولة عالمها الخاص بها،هذا عدا عن كتب الأطفال، أو ما يقدم إليهم عموماً عن طريق وسائل الإعلام من أفلام، وصحف، ومجلات، وألعاب، الخ..، وكتاب إلكتروني يمكن أن نطلق عليه اسم (كتاب المستقبل) فلا أقل إذاً من أن نستفيد من هذه المعطيات، والتقنيات التي هي بين أيدينا في عالم المسرح لكي ينافس غيره، ونحن نصِل جسور الحاضر بالماضي، لنرسم مستقبلاً مختلفاً لأطفالنا. المسرح حياة.. ولابد لهذه الحياة أن تتجدد من داخلها بما يثري المسرح والحياة معاً. |
|