تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ضعف الانتماء الاجتماعي ... غياب للرؤية .. وبحث عن المصالح الفردية والمنفعة الخاصة

مجتمع
الثلاثاء 26-11-2013
محمد عكروش

لا يمكن تصور خطر يهدد المجتمع أشد من خطر ضعف الانتماء الوطني ، فهو بالإضافة إلى كونه يسهم في تعطيل الوظائف الاجتماعية للمؤسسات على اختلاف أشكالها ، فإنه يعد العامل الأول في إضعافه وتقويض كل مصادر قوته ،

بالإضافة إلى أنه يعد أيضاً واحداً من أهم العوامل التي تؤدي إلى انتشار مظاهر الفساد وتجاوز المعايير الأخلاقية والاجتماعية ، فضلاً على كونه يسوغ للفاعلين حتى مواقفهم العدائية من المجتمع الذي نشؤوا فيه، وغالباً ما يقترن بانتشار الميل نحو تحقيق المصالح الخاصة والمنافع الضيقة على المجتمع، وتزداد هذه الخطورة في ظروف التحديات التي تجابه مجتمعنا المعاصر.‏

فهل هناك من معايير ضابطة اجتماعية تحكم تصرفاتنا وتسهم في تكوين جيل عربي يؤمن بوحدة أمته وانتمائه؟‏

الهم الأكبر‏

هذا ما سنبحثه مع الدكتور. أحمد عبد العزيز الأصفر أستاذ في قسم علم الاجتماع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق حيث أكد بداية : مشاعر الأفراد وأحاسيسهم لم تعد مشغولة بالانتماء الاجتماعي ، ولا حتى بالمشاعر العاطفية همهم الأكبر البحث عن المصالح الفردية، والمنافع الخاصة وما زاد الطين بلة انتشار البث الفضائي وغيره من الوسائل الاتصال حتى أفقدنا القدرة على التمييز بين الصالح والطالح فكل ما يصدر عن الغرب جميل وحسن لهذا يأخذ ضعف الانتماء الوطني حيزاً كبيراً تتجلى في أنماط سلوكية يومية تارة، واستثنائية تارة أخرى،‏

فقد يتجلى ذلك في سلوك الموظف والتاجر والحرفي والمزارع والطالب، ورب الأسرة، ولا يستثنى من ذلك كبار السن، أو رجال الدين، أو كبار الموظفين والمستشارين وغيرهم، فكل سلوك يمارسه الفرد في أي موقع اجتماعي يشغله، يمكن بدوره أن ينطوي على دلالة ضعف الانتماء بصرف النظر عن وعيه بذلك أو عدم وعيه،‏

مقابل منافع مادية‏

واستطرد د. الأصفر : فالاختلاس والرشوة التي يمارسها بعض العاملين في الدولة، لا تقل خطورة عن التهرب الضريبي التي يقدم عليها هذا التاجر أو ذاك، كما أن ذلك لا يقل في خطورته عن التلاعب بالأسعار، واحتكار السلع، والتمسك بحرفية اللوائح الإدارية على حساب مضمونها مقابل منافع مادية ضيقة ومحدودة، أو تنفيس لأحقاد في النفوس بهدف إرباك عمل المؤسسات ودفعها إلى مزيد من الفشل في ظل هذه الإدارة أو تلك، وقد تصل خطورة ضعف الانتماء إلى حد تسويغ الحرب على الدولة نفسها من قبل أبنائها، دون النظر إلى ما يترتب على ذلك من آثار تمس أمن البلاد والعباد.‏

أساس روحي‏

ومؤكداً الأصفر: ما طرأ من تغيرات اقتصادية واجتماعية على المجتمعات العربية أوقعنا في فخ ظاهرة الانبهار والاستلاب؟‏

ففي مجتمعاتنا يلاحظ أن مجموعة كبيرة من التحولات التي ظهرت منذ بدايات القرن العشرين وحتى الآن، وهي اليوم أكثر اتساعاً وأشد خطورة، على تنظيم اجتماعي يعتمد القيم الروحية مصدراً أساسياً لعملية التفاعل الاجتماعي، وأنماط السلوك، ومختلف عمليات التواصل مع الآخر، وقد بنيت الثقافة على أساس روحي جعل أبناء المجتمع ينظرون إلى الأشياء المحيطة بهم، وإلى علاقاتهم الاجتماعية من خلال القيم الروحية بالدرجة الأولى، حتى أن هذه القيم استطاعت أن تتوغل في شخصية الإنسان العربي حتى في مخاطبته لنفسه، وفي حديثه الذاتي.‏

ولافتاً بقوله د.الأصفر: بأن القرابة والتنظيمات العشائرية والقبلية شكلت المصدر الثاني في تقويم أنماط السلوك، وأشكال الفعل، بالشكل الذي لا يناقض القيم الروحية، أو يخالفها، وسارت القرابة مع الدين لتوجيه الأفراد نحو واجباتهم وحقوقهم في سياق تفاعلاتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية، وشكلت الأساس الذي بنيت عليه النظم الاجتماعية والتشريعات والنظم وأوجه التفاعل.‏

منظومة ثقافية واحدة‏

وفي الوقت الراهن لفت د. الأصفر: تشهد المنطقة العربية تغيرات عديدة تسهم في إحداث تحولات كبيرة في الأفكار والاتجاهات والقيم الاجتماعية إلى درجة أن منظومات الضبط الاجتماعي أصبحت متنوعة أيضاً إلى الحد ينفي إمكانية القول بوجود منظومة ثقافية واحدة ضابطة للسلوك، وتسهم عمليات التواصل الثقافي والحضاري مع التغيرات الواسعة على المستوى العالمي في بعثرة منظومات الضبط الاجتماعي العربية على نحو واسع.‏

وقد ترتب على ذلك أن أصبح التفاعل الاجتماعي غير قائم على نظم اجتماعية تتضح فيها الدلالات الاجتماعية للسلوك، فغدت خصائص الشخصية، والحاجات العضوية تدفع الأفراد إلى ممارسة الفعل الاجتماعي بتأثير مصالحهم واتجاهاتهم المتنافرة أصلاً، والتي لا توحدها إلا المنظومة الثقافية الحضارية، فبرزت مظاهر التنافر في السلوك الاجتماعي، وتنافر أشكال الفعل لغياب الضوابط التي من شأنها تنظيمه وتوجيهه لما يفيد مصلحة الكل الاجتماعي.‏

تتنوع المواقع‏

وأما بخصوص التنظيم الاجتماعي متعدد المعايير أشار د. الأصفر : فتظهر قيم متعددة، وتتضاءل قيم الولاء والانتماء للدولة، وتتنوع المواقع التي تهيئ الأفراد لاتخاذ القرار، وتظهر الازدواجية في أنماط التنشئة الاجتماعية حيث يخضع الطفل الواحد لتأثير قيم متنافرة في أغلب الأحيان، مما يجعله مهيأ لاستخدام معايير مختلفة في ممارساته تبعاً للظرف المحيط به، وللمصلحة التي يقتضيها الموقف.‏

والنتيجة التي ترتبت على ذلك بحسب قول الدكتور الأصفر : أن مشاعر الأفراد وأحاسيسهم لم تعد مشغولة بالانتماء الاجتماعي أو السياسي، ولا حتى بالمشاعر العاطفية، إنما أصبح همها الأكبر البحث عن المصالح الفردية، والمنافع الخاصة، طالما أنه لا توجد معايير ضابطة على المستوى الاجتماعي، ومن الطبيعي أن يصبح الأفراد أكثر استعداداً للانجراف مع التيارات التي تجرفهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية