تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جزائريات..

الثلاثاء 26-11-2013
سعد القاسم

يسجل لقناة «الميادين» إعادة تسليط الضوء على المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، ولا أقول تكريمها، فقد كرمها التاريخ منذ أكثر من نصف قرن حين دون اسمها بأحرف من كرامة في سجل المناضلين التاريخيين المدافعين عن حقوق الأوطان،

وحقوق الإنسان، بالمعنى الصادق للعبارة، لا باستخدامها المبتذل المزيف، كما تفعل وسائل الإعلام الاستعمارية في مسعاها الدائم لقلب الحقائق والأدوار والصفات، ولن أسوق أمثلة، إذ لا يليق بقامة كقامة جميلة بوحيرد أن تقارن بأسماء وهم صنعتها المصالح الاستعمارية، وأدواتها الإعلامية الفتاكة..‏

حفظت اسم جميلة بوحيرد وأنا في السادسة من عمري، لا بسبب وعي سياسي مبكر، وإنما بفضل زمن كرس في وعينا أسماء كهذه، فقد أطلق اسمها على مدرسة ابتدائية في حينا، كان لا بد لنا ونحن تلاميذ صغار في هذه المدرسة من أن نسأل عن صاحبة الاسم، ومن ثم نجيب من يسألنا، ولم يكن الأمر صعباً فالتلفزيون القادم حديثاً وبقوة الى حياتنا اليومية لم يكن يقصر بالحديث عنها، وكذلك أساتذتنا في المدرسة المشبعون بالروح القومية التحررية المتوثبة..وقد يكون مهماً القول إن مدرستنا لم تكن مدرسة حكومية، وإنما مدرسة خاصة يتشارك في ملكيتها ثلاثة أشخاص مختلفي المهن: الأديب مدحت عكاش، والطبيب كنعان الجابي، والمربي حيدر حامد، وهم أيضاً كانوا مختلفين في توجهاتهم السياسية، لكنهم اتفقوا على اختيار اسم المدرسة التي كان نشيدها يبدأ بالقول:‏

يا معهدي يا معهدي.. يا جنة المجتهد‏

اسم جميل رائع.. لجميلة بوحيرد‏

بعد سنوات طويلة غير المالكون الجدد للمدرسة اسمها، إلى اسم تقليدي أجوف، وربما كان في هذا دلالة على تحولات في الوعي العام، وخاصة أن الأجيال الجديدة التي صارت تستقبلها المدرسة فقدت علاقة أسلافها الوثيقة بالقضايا التي دافعت عنها جميلة بوحيرد وزملاؤها، لكن بالنسبة لقطاع واسع من جيلنا لم يبهت حضور المناضلة الجزائرية في وجداننا، ولا بهتت في ذاكرتنا تلك الحكايات التي كنا نتداولها في المدرسة عن بطولات المناضلين الجزائريين في وجه وحشية الاستعمار الفرنسي التي تفوق الوصف، وكيف كانت حماستنا تبلغ أوجها حين يطلب منا أساتذتنا إنشاد النشيد الوطني الجزائري، بل إنهم كثيراً ما فعلوا هذا كمكافأة لنا.. كنا نحفظ «قسماً بالنازلات الماحقات» (عن ظهر قلب) كما نحفظ «حماة الديار»..‏

لقد شاءت مصادفة سعيدة أن أتعرف من خلال متحف الجزائر الحربي قبل أعوام قليلة على المكان الذي نظم فيه شاعر الثورة الجزائرية «مفدي زكريا» النشيد الوطني الجزائري والذي لحنه الموسيقار المصري محمد فوزي، فكان الأمر الأكثر إثارة للمشاعر، ذلك أن هذا النشيد العظيم قد صيغت كلماته في الزنزانة رقم 69 في سجن بربروس بالجزائر حين كان ناظمه يعاني أقسى أشكال الاضطهاد دون أن يفقد إيمانه بنصر شعبه على المحتل الفرنسي بكل ما يملك من قوة وجبروت ووحشية..‏

في المتحف الجزائري تستوقفك كثيراً صور أبطال جبهة التحرير في الجبال الشامخات الشاهقات، والصور التي توثق لحياتهم اليومية ومعاركهم البطولية، وتضحيات الشعب الجزائري التي بلغت مليوناً ونصف المليون من النفوس الزكية، لكن لا بد أن تثير فيك الكثير من المشاعر والتداعيات طائرة «ميغ» قديمة كتب إلى جوارها أنها إحدى الطائرات التي شاركت في حرب تشرين 1973 على الجبهة المصرية..‏

حين ذلك ستهيمن عليك مشاعر الحنين إلى زمن تسترد فيه العروبة بمفهومها الإنساني الحضاري التحرري مكانتها في العقول والقلوب..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية