تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إسرائيل تغضب.. وأميركا تتثاءب

الافتتــاحية
الثلاثاء 26-11-2013
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم

لم تكن ردة الفعل الإسرائيلية خارج سياق المتوقع، وربما لم تكن الأسباب المباشرة لردة الفعل هذه غائبة عن الذهن أو غير معروفة، لكن ذلك لا يكفي لتفسير ظواهر طفت على السطح

بالتوازي مع الغضب الإسرائيلي، ولا لتقصي أبعاد التسريبات المتتالية التي حفلت بها الصحافة الإسرائيلية وتزاحمت على تردداها الكواليس الاستخباراتية.‏

فالواضح ان ما يوجع إسرائيل أبعد بكثير من ادعاءاتها الجوفاء حول الخطر المزعوم، لأن الهواجس الغربية حول طموحات إيران النووية قد دحضتها الوقائع والمعطيات، والأوضح من ذلك أن الذرائع التي ساقتها حول أسباب غضبها لا ترقى إلى مستوى الأخذ بها حتى من أقرب الحلفاء إليها، وبالتالي فإن ما تحاول أن تبعد شبحه عن الإعلام وعن التداول العلني هو أكثر ما يوجعها، وأكثر ما يشعرها بالقلق والرعب الفعلي.‏

فالمنطقة التي تسير باتجاه الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، لا بد أن تصل في نهاية المطاف إلى وضع النقاط على الحروف فيما يخص الترسانة النووية الإسرائيلية التي كانت تمارس حيالها سياسة الغموض المتعمد، وشعرت بأن ما كان مسكوتاً عنه طوال العقود الماضية بات اليوم على فوهة التصويب مباشرة، وأن اعتراض إسرائيل على أي اتفاق لا يعود إلى تلك الأكاذيب التي ساقتها بقدر ما يعكس قلقاً متنامياً من التداعيات القادمة.‏

وما أوصل إسرائيل في ردود فعلها هذا الحدّ، وما دفع بنتنياهو إلى هذا المستوى من الغضب، قد لا يكون في هذا الجانب الدعائي والإعلامي الظاهر، بقدر ما يكمن في الخوف من دلالات السلوك الأميركي حيال الملف، حين لم تأخذ بالتحذيرات الإسرائيلية ولم تصغ للكثير من المخاوف والهواجس، وبدت إسرائيل لأول مرة خارج حسابات القرار الأميركي الذي كان منحازاً لمصلحة الحسابات الأميركية أكثر مما هو ميال للأخذ باستطالات الغضب الإسرائيلي.‏

ومما زاد من منسوب الخشية الإسرائيلية من التثاؤب الأميركي كان جملة من التداعيات المرافقة، التي دفعت بأصوات في الداخل الإسرائيلي إلى تحميل نتنياهو مسؤولية العتبة التي وصلت إليها الخلافات الإسرائيلية - الأميركية، والتي قد تكون سابقة في تاريخ العلاقات، لأن نتنياهو رفع كثيراً من سقف الانتقادات، ولم يعر انتباهاً لمعطيات التصرف الأميركي الذي لم يبالِ بالغضب الإسرائيلي كما اعتاد طوال عقود حصريته في رعاية إسرائيل، رغم أن التصرف الأميركي المحكوم بعوامل تختلف جوهرياً عن الاعتبارات الإسرائيلية، سيعرض الوضع الإسرائيلي للانكشاف أمام المجتمع الدولي في المرحلة التالية، وصولاً إلى رفع اليد عن حماية الترسانة الإسرائيلية.‏

وجاءت الخيبة من الموقف الفرنسي الذي راهنت عليه حكومة نتنياهو لتزيد الضغوط، وهذا أيضاً ما يتداوله الإسرائيليون للغمز من قناة نتنياهو حين قامر بالعلاقة مع واشنطن على حساب بعض الجمل الجوفاء للفرنسيين، ووضع الأوراق الإسرائيلية في القربة الفرنسية المعطوبة.‏

الطمأنات الأميركية المباشرة وغير المباشرة التي لم تتوقف كثيراً عند التصرفات الرعناء لنتنياهو، محاولة تجاوز الحائط المرتفع الذي وقف عنده تأتي وقد تكون لأول مرة -منذ نشوء العلاقة الثنائية- من أجل حسابات مختلفة في الداخل الأميركي، الذي لا يريد أن يشعل مواجهة مع الكونغرس في هذا التوقيت، ويرغب في تهدئة الأجواء لتمرير الأشهر الستة القادمة، بحيث تسمح بإغلاق مؤقت لأصعب الملفات الإقليمية المدرجة على جدول الإدارات الأميركية المتعاقبة، وتكون في نهاية المطاف ورقة للمساومة في مرحلة لاحقة.‏

في كل الأحوال، لا يبدو الغضب الإسرائيلي رسالة مشاغبة ومناكفة للإدارة الأميركية بقدر ما يعكس خواء إسرائيلياً لم يعد له الرصيد الذي كان يملكه في الماضي لدى الأميركي ، وهذا لا يعني بأن إسرائيل لم تبدأ الرد بتصفية الحسابات المبكرة مع الأميركيين على أكثر من جبهة، ولا تبدو المفاوضات مع الفلسطينيين خارج حساباتها، وكانت المباشرة بعمليات الاستيطان في الضفة إحدى تلك الجبهات، فحين تغضب إسرائيل وأميركا تتثاءب لا بد أن نتوقف طويلاً حتى لو عمدت إسرائيل إلى تأجيج النار في جبهات اشتعال جانبية أو أساسية، لكن ماذا لو غضبت أميركا من إسرائيل؟! أم إنه الاحتمال المستحيل؟!‏

a.ka667@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية