تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رحلة الشك والمساءلة

معاً على الطريق
الإثنين 2-12-2013
أنيسة عبود

بما أن دور الأدب تضاءل في الآونة الأخيرة .. والقراء ابتعدوا عن الرواية وعن الشعر ولم يبق في الميدان إلا المقالة السياسية التي تحمل الهمَّ الوطني وتحلل الأوجه المختلفة للأزمة التي طالت واستطالت وألقت بكلكلها على حياة السوريين جميعاً...

لدرجة أن بعض المحللين يعتقدون أن الأزمة لن تنتهي بعشرات السنين... فالأزمة ليست أزمة بناء بيوت ومصانع فقط، بل صارت أزمة ثقافة وأخلاق وقيم ومفاهيم هدامة دخلت بلادنا وأودت بحياة عشرات الآلاف من الشبان السوريين.‏‏

سيطول الوقت حتى نستعيد ما فقدناه.. وستكبر الخسارة يوماً بعد يوم، ولن نكون قادرين على متابعة مشاريعنا التي خططنا لها وبذلنا سنين طويلة من أجلها.. حيث صار القتل عبادة والذبح جهاداً.. وهذا القتل تجاوز الجسد إلى الهوية وإلى الانتماء ودخل إلى عمق التفكير الديني والثقافي.. تغيرت مقاييس إنسانية ودخلت أخرى.. تغيرت المصطلحات، ومع تغيرها تغيرت القيم لدرجة تذهل العقل وتفوق حدود الخيال فيعترينا الشك بتاريخنا وثقافتنا وإنسانيتنا.‏‏

وإذ نتحدث كثيراً عن الذي يجري وكأنه نتاج الآن.. والحقيقة غير ذلك، إن ما يجري هو نتيجة تخريب متراكم أدى إلى استباحة كل شيء حتى في مجال الفكر والإبداع، وكما يسرق اللص منزلاً يسرق بعض المثقفين فكرة.. ويسرق بعض الملحنين أغنية.. وكم نرى ونسمع الآن بسرقات فكرية لايوليها أحد العناية اللازمة.. وكأنها تحصيل حاصل لما يجري على أرض سورية من خراب.. فالثقافة آخر هم المواطن الذي يعيش الحرب.. ،الجائع لا تعنية رواية مسروقة.. والخائف والمجروح لا تهمه قصيدة مزورة.. الهمُّ الأكبر الآن للأمن والأمان ولرغيف الخبز بعد أن تحولنا من عصر الرضا والقناعة والحياة المحترمة إلى حياة الفاقة والحاجة والوقوف على أبواب اللئام.‏‏

غير أن هذا الوجع اليومي الذي نعيشه لا يمنع من متابعة الصحف والمواقع الالكترونية التي تغص بالأدب والأدباء والنصوص الأدبية (كما يسميها ناشروها ).‏‏

والملاحظ أن قصائد كاملة تسرق وتنشر بعد أن يتم تغيير عدة جمل، أو تعديل بعض المقاطع.. وهناك روايات معروفة.. قام لصوص وأدعياء الأدب بسرقتها بعد أن غيروا العنوان وأطلقوا النار على اسم المؤلف.. ثم نشروها على المواقع الالكترونية ولاقت الترويج والتهليل من قبل قراء مغفلين لا يعرفون من هو الأصل ومن هو الزائف.‏‏

لأننا في زمن لا معيار له إلا المعيار المادي.. لا الروح لها قيمة ولا الإبداع له معنى.. اختلطت الأوراق.. واختلط السارق بالمسروق.. وتحول الشباب العربي العبقري إلى شباب ضائع يقضي أيامه ولياليه على مواقع التواصل، يهرف بما لا يعرف.. وقد تحول إلى شتّام طائفي ومذهبي أوسياسي.. محاولاً إقناع قرائه بأنه لا يقصد من الشتم والقدح والذم والتهديد والوعيد سوى البحث عن الحرية.. ويا لهذه الحرية.. التي لا تتحقق إلا عندما نكون أضاحي للغرب الذي يقتلنا كي يستمر في سكره وعربدته ورفاهيته.‏‏

إن المتابع للمواقع ولصفحات التواصل لشبابنا العربي تصعقه طروحات الجهل والتخلف والعقول المسطحة التي تتولى إدارة هذه الصفحات.. كما يصعقه الكم الهائل من السرقات الأدبية والادعاء بأنها نتاج جديد.. وهذا لا يقتصر على الأدب فقط - كما ذكرت - بل وصل الأمر إلى بعض الإعلام المرئي والمسموع حيث نلاحظ سرقات أفكار المعدين وأفكار البرامج، وأحياناً تسرق مقدمة برنامج بكامله. وتكون الظروف مواتية للسرقة عندما تتم السرقة من محطات غير مشهورة.. وللعلم هناك شعراء كبار يسرقون أفكار شعراء غير مشهورين ولكن لا أحد يصدق.. لأن الأفكار مرمية على الطريق كما قيل.. لكن هناك أفكار لا يراها إلا الموهوبون، ولأعترف.. شبابنا العربي موهوب جداً بالشتيمة.. وموهوب بمطاردة التاريخ وتزويره وتحويره بحيث يخدم أفكاراً جاهزة وقوالب جامدة.. وفي كل احتجاج أو معارضة يرجعونك إلى التاريخ وإلى حكايات الأزمنة الغابرة عند ذلك عليك أن تقتنع مع أنه لم يكن هناك تدوين دقيق ولا تمحيص ولا تأكيد. وإذا كنا في العصر الحالي وعلى الرغم من وسائل الاتصال ( ووسائل الشهود العيان ) لا نعرف كيف نصل إلى الحقيقة، فكيف نصل إلى الحقيقة التي كانت منذ ألف عام ؟ ثم لماذا لا نشكك بمصداقيتها؟ أو بمراجعها؟ وما المانع أن تكون مزيفة أو مزورة، أو كاذبة؟.. خاصة ونحن نعلم أن التاريخ يكتبه الأقوياء.. فلماذا كل هذا اليقين بروايات شفهية منقولة؟!‏‏

ولماذا كل هذا الاتكاء على الماضي وعلى وصاياه وعاداته وأفكاره وتاريخه؟! ألا يستحق زماننا أن نبدأ برحلة الشك ومحاكمة الماضي؟ فالماضي ليس مقدساً وقد يكون في طياته الكثير من الكذب والادعاء، وهذا ما أعتقده.. فليكن الشك أولاً قبل اليقين وإلا سيظل سيف الجاهلية يطاردنا.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية