تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جدارّيات ( صناعة الموت الادبي )

ملحق ثقافي
11/8/2009م
فواز حداد

تعمل مؤسسات دور النشر في الغرب، على تكريس كتابها والتأكيد على قيمة أعمالهم، ما يحيلنا إلى أبجديات صناعة الشهرة،

بصرف النظر عما إذا كان الكاتب يستحقها أم لا، لكن لابد من توفر الحد الأدنى، لكي تأخذ بعدها الدعاية مجراها عبر سلسلة من الخطوات، تبدأ عادة بتقييم لافت مختصر يوضع على غلاف الرواية الخلفي يتضمن شذرات قوية وصارخة تعبر عن مدى أهمية الرواية، أو قدرتها على إمتاع القارئ، ومن ثم استكتاب كتاب الصفحات الأدبية وإقامة حفلات توقيع وندوات تلفزيونية، بعدئذ ترشيح الكَاتب والكِتاب للجوائز المحلية والعالمية. مما يضع الكاتب بعد فترة من الزمن في خانة المشهورين وإحاطته بهالة تؤهله للمديح والظهور الدائم، وقد تجعله عصياً على النقد، فيقبل القراء على كتبه، ولا يتجرأ النقاد على المساس بها.‏

يُنظر في الغرب إلى الكتاب كسلعة تعرض للبيع وينبغي تسويقها على أكثر من وجه، وهي نظرة لا تخلو من صحة ومن تدليس أيضاً، لكنها تحفز على القراءة وانتشار الكتاب، ولهذا نميل إليها بحذر ونقيمها بأناة، لأنها لا تخلو من بعض الايجابيات، غير أن سلبياتها لا تغتفر، إذ يتساوى الجيد مع الرديء، والعادي مع الفذ، والمقلد مع الأصيل، كلهم يعاملون سواسية، ولا يفوز منهم سوى الذي لديه القدرة على الدعاية والتسويق. يقال، لكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح. حسناً هذا الصحيح قد لا يأتي إلا بعد سنوات طويلة تزيد أحياناً على قرن من الزمن. فينقلب المجد إلى موت، وينقلب الموت إلى مجد. ما الفائدة مادام الفاعل نجا بفعلته، والكاتب المسكين لم يعش لينعم بالتقدير. أليس ما حدث أشبه بالجريمة؟ إذن من قال إن الجريمة لا تفيد؟!‏

بالمقارنة مع ما يجري في بلداننا، يبدو وكأننا احترفنا الصناعة النقيض، تمويت الأدب بنوعيه الجيد والرديء، إلا إذا نجح الكاتب نفسه (والكاتبة أيضاً، ما الفرق؟!) في تسويق أعماله بالاعتماد على جهده وعلاقاته الشخصية. ولا تخفي هذه الجهود والعلاقات ما ينتج عنها من أمراض على الرغم من فاعليتها، أحدها أن الكاتب يظن أن أدبه سبب شهرته، فيتكئ عليها، لا على عمله. فيصبح عبئاً على عالم الأدب؛ أي محسوب على الأدب بينما هو عالة عليه.‏

فلنتخيل (مع أنه لا حاجة إلى التخيل على الإطلاق)، ماذا لو ظهر أديب دون سند، (وهذا ما يحصل يومياً) مجرد أديب شاب يحب الأدب مثل المراهقين، يكتب الشعر أو النثر، ويملك الموهبة اللازمة والواعدة بالكثير، ورغب في الاعتماد على نفسه دون أكاذيب الدعاية وتهاويل الإعلام وكواليس العلاقات الشخصية، كم يا ترى سيستمر عمره الأدبي؟ سنة، سنتان، عشر سنوات، غير مهم، مادام سيلقى حتفه بعد عمر طويل يائساً ومدحوراً، هذا إذا لم يمت مغدوراً حسرة وكمداً في عمر مبكر، ولدينا أكثر من دليل وسابقة.‏

أحدها، ما حصل مع مثقفينا الذين اكتشفوا فارس زرزور، (وهي نغمة تتردد بين الآونة والأخرى ودونما مردود) الذي قرأنا له منذ أكثر من ربع قرن روايتيه (لن تسقط المدينة، وحسن جبل). أمضى حياته فقيراً ومغموراً، إن لم نقل بائساً ومنبوذاً. ما الذي قدمه الأدب لفارس زرزور؟ الكثير، وهذا الكثير ليس إلا الخلاص عن طريق الرواية والقصة. أما ما قدمه إليه الوسط الثقافي من اتحاد الكتاب إلى الشلل الأدبية، ولا ننسى الصحافة، وكانت في تلك الأيام تطنطن بالواقعية الاشتراكية، مع العلم أن رواياته التي لم تشذ عنها، مثلت أفضل تجلياتها النقية.‏

نقول ما قدموه إليه كان اللؤم والتجاهل والسخرية... وموتاً قبل الأوان.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية