تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل يفسر ذلك سلوكها الهيستيري؟...إسرائيل فقدت قيمتها الاستراتيجية

شؤون سياسية
الأحد 13-6-2010م
د. ابراهيم زعير

الجريمة الإسرائيلية بحق اسطول الحرية، التي دفعت القوات الإسرائيلية للجمع بين الرعونة والوحشية، واستسهال القتل المعتادة عليه يومياً ضد الفلسطينيين،

وصفها الكثير من المحلليين، بأنها خطيئة تعبر عن غباء شديد ما كان لحكام إسرائيل العسكريين والسياسيين أن يقعوا فيها، لولا التغيرات العميقة في السيكولوجيه الإسرائيلية، والتي تنعكس في الاستهزاء المفرط لهؤلاء الحكام، بقيمة وتأثير المجتمع الدولي الذي من غير الممكن، أن يستمر في مسايرة ما ارتكبته إسرائيل بحق المتضامنين مع غزة، فقتل الابرياء، هو قتل في نهاية المطاف، ليس بمقدور لا إسرائيل ولا أعتى حماتها تبريره حتى لو لجأت إلى أفظع اساليب الكذب والتضليل، ولكنه في هذه المرة أكثر فداحه وفضيحة اتخذ طابعاً دولياً، ونظراً لأن الضحايا ينتمون إلى شعوب وبلدان مختلفة من كافة انحاء العالم. والمصدر السيكولوجي لارتكاب إسرائيل هذه الحماقة وما تبعها من تبريرات واهية ومنافقه، يعود بالدرجة الأولى إلى انكفاء على ذاتها وتمحورها على عصبيتها المفرطة، المرتبطة بشعورها المتراكم، بانها لم تعد تشغل ذلك الحيز من الاهتمام لدى أقرب حلفائها في الساحة الدولية وأن العالم الغربي وربما الاميركي على وجه الخصوص، أخذ يدرك أن إسرائيل أخذت تتحول إلى عبء ثقيل على كاهل حلفائها الغربيين ومشاريعهم الفاشلة في المنطقة اعتقاد منهم بأن وراء هذا الفشل هو ماترتكبه إسرائيل من سياسة حمقاء، يدينها حتى من كان بالأمس القريب يمد يد المصالحة والمسالمة معها من بين دول المنطقة، ويطالب الحلفاء الاوفياء لإسرائيل بإجراء تحقيق «شفاف» بمجزرة اسطول الحرية لعل الغرب الطامع دائما بوضع يده على المنطقة بدأ يفهم أن إسرائيل لم تعد تلك الحاجة الماسة له كما كانت دائما بل أخذت تفقد مبررات وجودها، كخادمة وأداة للاستراتيجية الغربية والأميركية، وربما هذا ما يفسر تصريحات بترايوس الجنرال الأميركي المخضرم في افغانستان بقوله أن إسرائيل تفقد قيمتها الإستراتيجية والمقصود بالنسبة للولايات المتحدة واستراتيجيتها في الشرق الأوسط، وربما في العالم، هذه الوضعية الجديدة لإسرائيل في المنظور الغربي دفعها لأن تتصرف بهستيرية وحماقة تتصف بالجنون، قادها بالضرورة لارتكاب الجريمة في عرض البحر الابيض المتوسط. والحقيقة أن انكفاء الدور الإسرائيلي في الاستراتيجية الأميركية، بدأ بتوضح بشكل جلي بعد حرب الخليج الأولى والثانية، فعوضا عن أن تكون مستجيبة لهذه التغيرات بدأت تمارس أعمالاً تنتفي فيها عوامل الذكاء ، ومن حق البعض أن يصف حالتها بالغباء، وتوالى مسلسل الفضائح من إقدامها على تزوير جوازات سفر لدول تعتبر صديقة لإسرائيل تقليديا، لارتكاب اغتيال القيادي في حركة حماس المبحوح في دبي، ما أدى إلى استنفار تلك الدول ضد هذه الفعلة الإسرائيلية، إلى فضيحة التعاون النووي مع جنوب افريقيا العنصرية، قبل اكثر من ثلاثين عاما، الى اكتشاف تجاربها النووية في مياه المحيط الافريقي وصحرائه، ما دفع العالم إلى المطالبة بانضمام إسرائيل إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي ووضع منشآتها النووية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقه الذرية. إلى مطالبة إسرائيل بفك الحصار الجائر على قطاع غزة مؤخرا، حتى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، تحدث عن ضرورة فك الحصار بلهجة جديدة غير معتادة، إلى قرار مجلس الزمن الدولي، رغم التدخل الأميركي ليكون أقل وطأة وقساوة على إسرائيل ولكنه يدين بشكل ما عملية قتل الأبرياء واحتجازهم من قبل إسرائيل والذي لو كان مجلس الأمن اكثر استقلالية وحرية في اتخاذ القرارات لكان وصف عملية إسرائيل بالقرصنة لأنها كذلك، ولكان فرض عقوبات عليها استحقتها بكل جداره، حتى أوباما طالب بتحقيق بالحادث استجابة لطلب تركي واضح، اسرائيل على الأغلب فهمت الدرس جيدا ولكن ليس لديها خيارات في أجواء عدم الثقة بقدرتها على أداء دورها ووظيفتها المعهودة إلا أن تقوم بعمل لا يمكن وصفه إلا بالانتحاري وانها بدأت تتآكل داخليا وتتقوض بنيتها الكيانية.‏

بتفجيرها عملية اسطول الحرية. وفقدان الثقة بهذا الكيان غربيا وأميركيا عمقه بشكل نوعي جديد هزيمتها من الجنوب اللبناني عام 2000 دون شرط أو قيد وعجزها وفشلها في تحقيق أهدافها في حرب تموز وعجزها في حرب غزة رغم كل التدمير الذي ألحقته بالجنوب اللبناني وفي قطاع غزة وسطوع اشعاع المقاومة وصمود سورية وتكوين التحالف الجديد بين تركيا وإيران وسورية وقوى المقاومة بحيث لم يعد من الممكن لإسرائيل أن تستمر بسياستها الاحتلالية إلا تمرداً على المجتمع الدولي الذي يدين الاحتلال ويرفضه فكراً وممارسة على الأقل الاحتلال الإسرائيلي، الذي أنعش المقاومة بكل مكوناتها في المنطقة.‏

هذه الوضعية الجديدة من المفترض أن تحض العرب لتجاوز الكثير مما كان حائلا في توحيد كلمتهم ولكن للأسف ان البعض مازال أسير معطيات واقع مضن وهذا ما جعلهم عاجزين عن فهم طبيعة وعوامل جنون إسرائيل وانتحارها الذاتي ولكن رغم كل ذلك يجب أن لا يعمينا عن مخاطر وخطورة إسرائيل التي باتت كالذئب الجريح الفاقد لصوابه؟!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية