|
واشنطن بوست اقتحم عناصر الكوماندوس الإسرائيلي السفن في محاولة لمواصلة فرض حصارهم على قطاع غزة، وفي ظنهم أنهم يضعفون قبضة حركة حماس هناك. ولكن مثل العديد من العمليات التي قامت بها إسرائيل مؤخراً، ارتد الأمر عليها، ومن المفيد التفكير بسبب حصول هذا الأمر. لنتحدث عن بعض النقاط: إنها تحارب ما تعتبره عدواً إرهابيا في غزة، وثمة شعور متعاظم لديها أنه لا يمكنها الاعتماد على الأصدقاء في أوروبا والولايات المتحدة، بينما تركيا حليفتها المسلمة الرئيسية تتقارب مع إيران، والهيئة التركية المنظمة لرحلة الإغاثة الى غزة يعتقد أن لها علاقات مع حماس. من وجهة نظر إسرائيلية، فان كل هذا يثير القلق والغضب. ولكنه وضع يجب أن يحتاط فيه الزعيم الحكيم بدلاً من القيام بعملية كوماندوس في البحر. إن المشكلة المباشرة بالنسبة لاسرائيل هي أن حصار غزة لا يعزز وضعها، بل يؤدي إلى عكس النتيجة المرجوة، حماس تعزز سيطرتها على غزة في حين أصبحت إسرائيل أكثر عزلة على الصعيد الدولي. والأسوأ من ذلك، إن الحصار يرفع من نسبة تحدي ليس المسلحين الموالين لحماس، بل أيضا الجماعات الإنسانية الغاضبة من الحصار. وبإدراكهم أن الأسطول سيؤدي إلى مشكلة علاقات عامة، فإن الإسرائيليين تحدثوا إلى الحكومة التركية حول كيفية إيصال الإمدادات من دون مواجهة. من الواضح أن تلك التسوية فشلت وقام عناصر الكوماندوس بالهجوم على السفن في المياه الدولية، على بعد نحو 70 ميلاً من الساحل . وقاوم الناشطون على متن السفن المهاجمين، فبدأ الجنود بإطلاق النار، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن تسعة من الناشطين. لماذا اختارت إسرائيل القيام بأمر ذي مخاطر عالية؟ والجواب : إنه على مدى سنوات عديدة، إسرائيل اعتادت على القيام بعمليات عسكرية لترهيب الأعداء في الشرق الأوسط، وهي تقوم بهذا الأمر بحرية وجرأة، وغالباً بعيدا عن أراضيها. ويغريها تفوقها العسكري على القيام بأعمال تمثل خطرا كبيرا عليها. المثل الرئيسي هو غزو لبنان عام 1982، والذي يجادل الكثير من الإسرائيليين بأنه أدى إلى جعلها اقل أمناً مما سبق. بمهاجمة أسطول الإغاثة، اختارت إسرائيل محاربة الأتراك، وهو أمر اخطر من محاربة حماس. لقد بدأ الخلاف بينهما يتصاعد خلال السنوات القليلة الماضية، وهو تغير استراتيجي كبير في الشرق الأوسط. وبعدما كانت في السابق الحليف الأكثر أهمية في المنطقة، فإن تركيا تسعى الآن لتحدي هيمنة إسرائيل كقوة عظمى في المنطقة. رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يملك شعبية عند المسلمين، عبر رسالته الجذابة: (لن نسمح لإسرائيل بدفعنا إلى الخلف). ورفع وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو من تحدي تركيا لإسرائيل، بعد أن اعتبر أن الهجوم الإسرائيلي على الأسطول يشبه أعمال «القراصنة قبالة سواحل الصومال». وحذر، في إفطار مع صحافيين في واشنطن، قائلاً : «حان الوقت الآن لاتخاذ قرار: هل نحن في عالم متحضر، أم لا يزال البعض يعتمد شريعة الغاب؟ إذا كان الثاني، فنحن نعرف ما يجب القيام به». كيف يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة أن تتعلما من الأخطاء وتواجهان هذه الأزمة للخروج بنتائج أفضل؟ الجواب : عبر اعتبار أن المواجهة أصبحت بين إسرائيل وتركيا، عوضاً عن اعتبارها مجرد مشكلة غزة. لتركيا طموحات إقليمية، لكنها ليست بلداً إرهابياً مجنوناً ولا تطلق خطابات تنكر فيها المحرقة. إنها دولة كبيرة وقوية تريد أن تكون وسيطا قويا. يجب إيجاد وسيلة لإرضاء تركيا في محاولاتها للحصول على الاحترام من دون إضعاف إسرائيل. يجب أن تضم الصيغة الدبلوماسية المطلوبة الأمم المتحدة أيضا، وهي المؤسسة التي لا تثق إسرائيل بها عادة. إسرائيل غير قادرة لوحدها على حل الفوضى في غزة، ويجب أن تلجأ الآن إلى مجلس الأمن الدولي طلبا للمساعدة. هذا الأمر يبدأ بفتح الأمم المتحدة تحقيقاً بما حدث في عرض البحر . وقد تكون الخطوة التالية قيام الأمم المتحدة بدور أكبر في عملية إعادة إعمار غزة، مع توفير ضمانات حقيقية بشأن هواجس دخول أسلحة الى غزة. إسرائيل بحاجة إلى القبول بالتناقضات في بعض الأحيان، فإن أفضل وسيلة لإدارة مشكلة مستعصية، هو تدويلها. بقلم : ديفيد اغناسيوس |
|