تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل ثمة فرصة للسلام بعد أزمة أسطول الحرية؟

مجلة تايم الأميركية
ترجمة
الأحد 13-6-2010م
ترجمة: ليندا سكوتي

قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما:»بعد كل أزمة يمكن أن تكون ثمة فرصة للسلام» لكن تلك الفرصة لا تبدو واضحة المعالم في الأزمة الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي على أسطول المساعدات الإنسانية المتجه نحو غزة.

ذلك لأن ثمة معضلات تواجه أوباما يمكننا تحديدها في أمور ثلاثة هي: تفادي استمرار التأزم في العلاقات القائمة بين إسرائيل وتركيا، وتغيير مسار المطالب المتعلقة بإجراء تحقيق دولي إلى أسلوب أخر يقوم على آلية مقبولة من قبل إسرائيل، مع ضرورة وضع صيغة لتأمين دخول السلع اللازمة إلى غزة، ويمكنه في ذلك انتهاز الأزمة الأخيرة في إيجاد فرصة لتحقيق طموحاته بإرساء السلام في منطقة الشرق الأوسط.‏

لقد استطاعت إسرائيل إحكام حصار غزة على مدى أربع سنوات، وكانت تهدف من تنفيذه إلى منع وصول الأسلحة إليها تحسبا من أن تتحول مجددا إلى منصة لإطلاق القذائف والصواريخ على مدنها. ويبدو أن تلك الاستراتيجية قد أثبتت نجاعتها إلى حين الأزمة الأخيرة. إذ إن الحصار المطبق على القطاع حال دون حصول حماس على الأسلحة. لكنه بذات الوقت قاد إسرائيل إلى دفع ثمن باهظ من حيث تدني مكانتها الدولية، على الرغم من أنها قد عملت على تفادي حدوث أزمة إنسانية عندما سمحت بإدخال الغذاء والوقود والمستلزمات الطبية، لكن العالم بقي ينظر إليها باعتبارها دولة تستخدم سياسة العقوبات الجماعية، فضلا عما أفضت إليه ممارساتها من إضعاف عرى التحالف القائم منذ أمد طويل مع تركيا الذي يشكل أهمية خاصة بالنسبة لإسرائيل وظهر بوضوح عندما أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أدروغان شجبه للحصار الإسرائيلي، الأمر الذي لاقى استحساناً وقبولاً في الداخل التركي وفي العالمين العربي والإسلامي.‏

أما بالنسبة لأوباما فإنه يواجه الآن عددا من الصعوبات والعقبات بعد التصريحات التي أطلقها أردوغان وأثار بها المشاعر في شتى أرجاء العالم الإسلامي الذي يعتقد بأنه ثمة تواطؤ في العلاقات بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل الأمر الذي يعرقل جهود اوباما لتحقيق السلام في المنطقة. وهناك عقبة أخرى تتعلق بحماس التي لن تبقى مكتوفة الأيدي إلى الأبد فهي إن عاجلا أم آجلا ستجد الأسباب والمبررات الكثيرة للقيام بإطلاق صواريخها على إسرائيل مرة أخرى.‏

إزاء ما سلف ذكره، يتعين على أوباما تبني استراتيجية جديدة تقوم على تشجيع إجراء المفاوضات بين حماس وإسرائيل بوساطة عربية أو أوروبية بهدف التوصل إلى اتفاق بينهما بحيث تلتزم حماس بوقف كافة الهجمات والعنف بشتى صوره ضد إسرائيل والتوقف عن تهريب الأسلحة إلى غزة، وبالمقابل ترفع إسرائيل الحصار وتسمح بحرية الحركة وانسياب البضائع من وإلى غزة تحت مراقبتها. أما في الأحوال التي لا تفي حماس بالتزاماتها فمن حق إسرائيل عندئذ العودة إلى إغلاق الحدود مرة ثانية، الأمر الذي يلقي بالملامة على حماس بدلا من أن يلقيها على إسرائيل. كما ويتعين أن يشمل هذا الاتفاق عملية تبادل السجناء الأمر الذي يفضي من حيث النتيجة الى إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليط.‏

أما بالنسبة لاوباما فعليه إعطاء مزيد من الأهمية لقضايا الضفة الغربية والتأكيد على ضرورة مواصلة المحادثات القائمة في الوقت الحاضر، ذلك لأن ثمة حلاً سريعاً يمكن ان يفضي الى تحسين صورة إسرائيل، ويعزز من قوة القيادة الفلسطينية ألا وهو انسحاب قوات الدفاع الإسرائيلية من أراضي الضفة الغربية التي أعادت احتلالها إبان الانتفاضة بعد أن أثبتت قوات الأمن الفلسطيني قدراتها وامكانياتها في حفظ النظام حتى في ظل الأزمة الأخيرة، الأمر الذي يتيح إعطاءها حق بسط سيطرتها على كافة المناطق التي وضعت بتصرف السلطة الفلسطينية وفقا لما ورد باتفاقيات اوسلو، وسيجعل السلطة الفلسطينية تدعي بأنها قامت بعملية التحرير ليس عبر العمليات القتالية بل من خلال مفاوضات السلام التي تجريها مع إسرائيل. وفي هذا الحين يتعين على اوباما رأب الصدع الذي ظهر مؤخرا في العلاقات بين تركيا وإسرائيل بدعوتهما معا لبذل الجهود اللازمة لتحقيق السلام بين سورية وإسرائيل، علما بان تركيا قد سبق لها لعب دور الوسيط بين الحكومة الإسرائيلية السابقة والحكومة السورية، الأمر الذي جعل أردوغان (الذي يطمح لقيام تركيا بدور إقليمي) يستمر بالإبقاء على علاقة الثقة مع إسرائيل، وعلى الرغم مما حصل من توتر بين الجانبين في الآونة الأخيرة نرى بأنه يتعين على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إيجاد السبل لإعادة بناء العلاقة الاستراتيجية مع تركيا، وعلى أوباما أن يعمل على مشاركة سورية في صنع السلام.‏

إزاء ما نشهده من فوضى وإشكالات تعم المنطقة في الوقت الحاضر، نرى بأن فرص تحقيق النجاح أمر بعيد المنال ويتعذر التوصل إليه. لكن في مختلف الأحوال، سيجد القادة بأنهم مضطرون للبحث عن وسائل تمكنهم من معالجة الأزمة وربما تدفع بهم إلى سبل أخرى ترمي الى معالجة سائر المعضلات القائمة . أما في الأحوال التي ينأى بها أوباما عن معالجة هذا الواقع، فإن احتمالا آخر قد تفضي إليه أزمة أسطول المساعدات بإشعالها حربا في المنطقة تقود إلى غرق سفينة السلام الإسرائيلية-الفلسطينية.‏

 بقلم: مارتن انديك‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية