|
ثقافة وكان دستور سورية لعام 1930 يؤمن الاستقلال والسيادة لهذه الدولة بنسبة 95٪ تقريباً، ولكن المفوض السامي بونسو طلب تعديل المواد السيادية فيه لمصلحة الاعتراف بالانتداب الفرنسي وبسلطات المفوض السامي وعندما رفض رئيس وأعضاء الجمعية التأسيسية ذلك قام المفوض بإضافة مادة برقم (116) إلى الدستور تنص على عدم سريان تطبيق المواد السيادية رقم كذا وكذا في الدستور إلا إذا ذيّلت بتوقيع المفوض السامي وبذلك تغيّرت صفة الدستور من (استقلالي سيادي) إلى (وصائي انتدابي). تم تطبيق هذا الدستور وجرى انتخاب الأستاذ محمد علي العابد كأول رئيس للجمهورية السورية في ظل الانتداب وأراد المفوض السامي أن يكمل لعبته بعقد معاهدة بين فرنسا وسورية لمدة خمس وعشرين سنة لإنهاء الانتداب مع الاعتراف لفرنسا ببعض الامتيازات السياسية والعسكرية والثقافية وقد تم تكليف الوزير «شاكر نعمت الشعباني» بمتابعة موضوع «تمرير» هذه المعاهدة عام 1933 ولذلك تعرف هذه المعاهدة في الأدبيات التاريخية السورية باسم «معاهدة الشعباني». أوردنا هذه المقدمة لكي نقول: إن زميلنا في الكلية العسكرية بحمص بين 1949 و 1951 محمد عدنان الشعباني كان ابن وزير في الحكومات السورية التي تعاقبت بين 1930 و 1935 ونظراً لأن الأب كان من أصول تركية لم يكن من المستغرب أن يضع ابنه محمد عدنان في مدرسة داخلية تركية مختلطة تهتم بالتعليم والتربية حسب الأصول الغربية الحديثة التي فرضها مصطفى كمال أتاتورك. وفي هذه المدرسة الداخلية التركية شاع بين الطلاب والطالبات أن زميلهم محمد عدنان ابن وزير سوري متعاون مع الفرنسيين وأنه أرسله للدراسة في تركيا لأنه لا يأمن عليه في سورية التي تعصف بها الثورات. وقد عنّ لإحدى زميلات محمد عدنان أن تسأله في يوم ما عن الأساليب التي يلجأ إليها الثوار السوريون في التصدي للجند الفرنسي فبدأ بقص الروايات المهولة عن ذلك. حول الاصطدامات بين الثوار وتطلعات الجيش الفرنسي سأل أحد الحضور عندئذ عما إذا كانت هناك أعمال مقاومة تجري داخل المدن بأسلحة فردية، فأخطأ محمد عدنان في الإجابة عندما قال: بالطبع هناك ثوار مختصون باغتيال القادة الفرنسيين بالسكاكين. فوضعت إحدى الطالبات يدها على فمها وقالت مستغربة: - هل تعني أنهم يذبحونهم في الشارع ذبح النعاج؟ - - كلا هم يرمونهم بسكاكين خاصة تسمى «الشعبية» من مسافة 10-20 متراً فتقتلهم إذا دخلت في رقابهم أو صدورهم أو بطونهم. - آه هذا رائع إن الأمر يشبه ما نراه في السينما. ويكمل لي زميلي محمد عدنان الشعباني ابن الوزير الأسبق شاكر نعمت الشعباني مغامراته في المدرسة التركية التي كان من طلابها فيقول: - اغتاظ أحد زملائي من الطلاب الذكور من «الشعبية» التي حصلت عليها بين الطالبات حول مهارة أبناء شعبنا السوري في رمي السكاكين عن بعد فاستغل فرصة اجتماعنا في الكانتين «الندوة» وسألني أمام الجميع إذا كنت قد تعلمت الرمي بالسكين كبقية أفراد الشعب ولا أدري أي مصيبة دفعتني للإجابة: نعم بالطبع. - وهل لديك مانع في عرض هذا الأمر علينا، هناك خمسة أو ستة أنواع للسكاكين في الكانتين ويمكنك أن تختار المناسب منها. وعندها يقول زميلي الشعباني: أدركت أنني وقعت في ورطة، فأخذت أختلق الأعذار حول عدم صلاحية تلك السكاكين لرمي «الشلفة» ولكن الجميع كانوا يصرون على أن التجربة لا تكلفنا شيئاً. أيقنت عندئذ بصحة المثل القائل: «لابد مما ليس منه بد» واخترت سكيناً مدببة الرأس «إحدى سكاكين أكل القواقع في الأساس» ثم بدأت بمقدمة «تعليمية» ارتجلتها حول كيفية إمساك السكين ووضعية الذراع عند الرمي وكيفية الرمي وأهم ما قلته إن نصل السكين يكون باتجاه جسد الرامي، بينما نصابها يكون باتجاه الهدف، لأن ثقل النصل يجعل السكين تدور على نفسها في المسار قبل أن تستقر في الهدف. ويتابع زميلي محمد عدنان الشعباني الشرح: أمسكت بالسكين ونصلها باتجاه صدري ورفعت ذراعي بزاوية قائمة كما تقضي التعليمات التي قلتها لهم ثم أطلقت السكين ولا أدري أي صدفة شيطانية جعلتها تدور في الفضاء ثم ينغرز نصلها حوالي 3 سم في الباب الخشبي المقابل الذي اخترته كهدف، في الوقت الذي التهبت أكف الحاضرين بالتصفيق مع ترديد كلمة «برافو» من زميلاتي الطالبات بشكل خاص. روى زميلي محمد عدنان الشعباني هذه الحادثة الطريفة بذاته بعد مرور اثني عشر عاماً على حدوثها فقلت له: - عدنان أعتقد أن القصة كلها «سحبة من سحباتك»، يقول المثل: «المي تكذب الغطاس» فتعال معي لعند الأخ عرب (رئيس الطباخين في الكلية) لإعارتنا السكين التي تختارها وسنعيد التجربة هنا على هذا الباب الخشبي. - - يا حبيب ومن قال لك إني لم أفعل هذا في نفس اليوم، لقد أعدت التجربة بذات السكين وبوضعية الذراع نفسها أكثر من عشرين مرة ولم أنجح ولو مرة واحدة، لقد أراد الله ألا يسوّد وجهنا تجاه الأتراك وهذا كل ما في الأمر، أنا متأكد اليوم من أني لا أحقق ما سبق أن حققته ولو بعد خمسين رمية بمختلف أنواع السكاكين. |
|