تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هيرالدتريبيون انترناشيونال... بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو تتسبب بكارثة إنسانية

دراسات
الأحد 24/7/2005م
ترجمة : كندة ديب

باستعجالها الإعلان عن نجاح مهمتها أغفلت بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو أو تسترت عن المأساة - الكارثة الطبية التي تسببت في خلقها بشكل مباشر,

فقد أظهرت فحوصات الدم التي أجريت على نحو ستين طفلا من أطفال الغجر الذين لم يتجاوزوا السادسة من العمر نسبا عالية جدا من الرصاص في دمائهم ما يعرضهم اما لخطر الموت العاجل أو لتلف دماغي لا محالة.‏

ويمثل هذا العدد كل طفل ولد في تلك المخيمات منذ أن أنشئت قبل نحو خمس سنوات ونصف خلت اذ إن الاطفال الذين لا يملكون جهازا مناعيا قويا تصبح أجسامهم غير حصينة وعرضة للإصابة بالمرض, وقد قال الطبيب والخبير المختص بهذا المرض في منظمة الصحة الدولية في بون بعد أن قام بزيارة المخيمات في شهر شباط :إنه لم يسبق له أن شاهد أو سمع بمثل هذه النسب العالية من الرصاص الموجود في دم الأطفال, وأضاف :إن كمية السموم المتراكمة حول المعسكرات هي أكثر بثلاث أو أربع مرات من تلك الموجودة في سكاركبريك في اوكلاهوما أكثر المناطق الأميركية المخصصة للنفايات وأشدها خطورة.‏

إن المخيمات الموجودة في زيتكوفاك شمالي كوسوفو والتي تم بناؤها في تشرين الثاني في عام 1999 من أجل إيواء 500 مشرد من أكبر مناطق الغجر المجاورة لكوسوفو قام بعض المتطرفين العرقيين الألبان بتدميرها في شهر حزيران من ذات العام عقب سيطرة قوات الناتو على شمال ميتروفيكا, وهكذا فقد ظهرت على العديد من الأطفال في تلك المنطقة أعراض واضحة تدل على هذا المرض مثل فقدان الذاكرة - فقدان التنسيق - الغثيان و الاضطرابات العينية وخلال السنوات الخمس الماضية توفي نحو سبعة وعشرين شخصا في تلك المخيمات معظمهم قضى نحبه من جراء الآثار الخطرة لمثل هذا النوع من التسمم- منهم طفلان ,ومن المتوقع موت العديد في الشهور القليلة المقبلة ولكن ما كان يجب أن تصل المسألة إلى ماوصلت عليه إذ إنني قمت في تشرين الثاني في عام 1999 كممثل عن مجتمع الأفراد المهددين بالخطر بتحذير رئيس البعثة في بريستينا بأنه قد اتضح لنا أن المخيمات قد بنيت على أراض كانت مخصصة في الأساس لرمي النفايات السامة وأكوام ما ينتج عن صهر المعادن من المناجم القريبة المنتشرة.‏

إلا أن اللجنة تابعت أعمال البناء زاعمة أن ما تقوم ببنائه سيستخدم لمدة لا تزيد عن 45 يوما, إن نتائج فحوصات الدم التي أجريت بشكل عشوائي في شهري آب وأيلول من عام 2000 والتي قام بها الدكتور اندريه اندرييف الطبيب الاستشاري لدى الأمم المتحدة أكدت ظهور نسب عالية وخطرة جدا من الرصاص ,وقد قام بكتابة تقريره الطبي وإحالته إلى كل من منظمة الصحة العالمية وبعثة الأمم المتحدة في كوسوفو المعروفة باسم اونميك - unmik- مطالبا بإخلاء المخيمات بشكل فوري, إلا أن تقريره هذا لم يحدث أي تأثير أو تغيير يذكر سوى إجراء فحوصات عديدة على ضباط القوات المتعددة الجنسيات والذين اعتادوا على ممارسة الرياضة والعدو بشكل شبه يومي مرورا بالطريق المؤدية إلى أكوام النفايات قرب مخيم سيزمين لاغ وقد أظهرت نتائج التحاليل وجود نسب مرتفعة من الرصاص في دمائهم فأعيدوا بالحال إلى أوطانهم ومع شديد الأسف لم تكن هناك أي ردة فعل ايجابية تجاه النسب العالية والخطرة للرصاص الموجود في دماء الغجر.‏

إن الاختبارات التي أجريت على 75 شخصا ممن يقطنون المخيمات ومعظمهم من الأطفال والحوامل أظهرت أن 44 منهم تحتوي دماؤهم على نسبة أعلى من 65 مايكروغراما ( نسبة تساوي عشرة ليترات) وهي أعلى نسبة تستطيع الاجهزة والمعدات قراءتها علما أن النسب التي تفوق ال¯ 10 مايكروغرامات تعتبر خطرة وتنذر او تؤدي إلى أذى دماغي أو عصبي وأظهرت التحاليل أنه أقل من عشرة أشخاص تحتوي دماؤهم على نسب أقل من أربعين مايكروغراما وهي النسبة او الحد الذي يتطلب تدخلا ورعاية طبية بينما تتطلب نسبة 70 مايكروغراماً إلى تدخل طبي طارىء وفوري.‏

إن الاختبارات اللاحقة أثبتت صحة هذه المعطيات والحقائق فقد اصطحبت تسعة اطفال إلى المشفى لإجراء بعض الفحوصات الطبية فأظهرت التحاليل أن نسب الرصاص عند سبعة منهم أعلى مما يستطيع الجهاز قراءته, وقد تم ادخال اثنين منهم إلى المشفى للعلاج دون إجراء أي فحوصات, وقال أحد الأطباء: إن حالة كليهما في خطر شديد وإنه غير متأكد إذا ما كان بالإمكان إنقاذ حياة أحدهما.‏

بيد أن التقارير التي قدمت عام 2004 طالبت باتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة والتدخل العاجل إلا أن كل ما قدمه ال¯ (أونميك) هو البدء في عقد اجتماعات اسبوعية من أجل مناقشة وبحث القضية.‏

وفي الاجتماع الذي عقد في 16 تشرين الثاني الماضي تأكد أن نسب الرصاص العالية هي حالة شديدة الخطورة وبحاجة إلى اتخاذ تدابير طارئة وعاجلة أولها البدء في إخلاء المعسكرات والمناطق المذكورة, ولكن وعلى الرغم من كل الصرخات والنداءات التي نادى بها المصلحون الاجتماعيون والمجموعات التي تعنى بحقوق الإنسان وخبراء الصحة بالإضافة إلى مطالبة خطية قدمها الصليب الأحمر داعيا إلى إخلاء عاجل وسريع للمخيمات إلا أن الخطوة التي قامت بها الأونميك هي عقد المزيد من الاجتماعات دون التوصل إلى اتخاذ قرار حقيقي.‏

ففي شهر تموز الماضي قضت الطفلة جينيتا ميهميتديك البالغة من العمر أربع سنوات نحبها في مخيم زيتكوفاك بعد علاج دام شهرين في المشفى وكانت تعاني من نسب مرتفعة من الرصاص في الدم وما يجعل المسألة أكثر تعقيدا ومأساوية هو معرفتنا المسبقة بأن هذه الطفلة لن تكون الأخيرة.‏

ومع استقلال كوسوفو يبدو بوضوح أن جدول أعمال الأمم المتحدة سواء هذه السنة أم السنة المقبلة هو الخروج دون التوصل إلى أي قرار يذكر ودون الاعتراف بمسؤوليتها أو بإهمالها المرعب والمخيف.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية