|
الغارديان تلك الأحداث التي أثارت بلبلة في صفوف الساسة الأميركيين تجلى ذلك في التصريحات التي أدلوا بها فضلا عما وقع في نفوس الشارع الأميركي من حزن وأسى على ما ألم به من مصاب أليم. في ضوء هذا الواقع المرير دعت السيدة كونداليزارايس مستشارة الأمن القومي آنذاك إلى اجتماع لاعضاء مجلس الأمن القومي, ناقشت فيه الأسلوب الواجب اعتماده لمعالجة الصدمة الكبيرة التي أصابت البلاد جراء هذا الحدث الجلل, داعية إلى إجراء تغيير أساسي في السياسة الأميركية تتناسب مع ما ألم بالولايات المتحدة في 11 أيلول . أشارت السيدة رايس في تصريحها لصحيفة نيويوركر قائلة: ( إنه لم يكن لدى الولايات المتحدة من معضلة تجابهها بعد انتهاء الحرب الباردة لكنها في هذه الآونة تعرضت لهزة كبيرة لكن هذا المصاب لن يثنيها عن تحقيق السلام في العالم). لقد كان البريطانيون متفائلين بتحقيق السلام في العالم لكن ما حدث في 7 تموز أصابهم بالإحباط وبدأت الشكوك تساورهم حول ما أدلت به رايس خاصة بعد حمامات الدم التي حدثت في مواقع متعددة في لندن. لقد تحول سلام رايس الى جداول دماء نزفت من أبرياء لقوا حتفهم دون أن يكون لهم يد في الأحداث التي حصلت والتي قادت الى خسارة انسانية للمجتمع جراء فقد عدد كبير من عناصره ناهيكم عن المأساة التي لحقت بمحبيهم من آباء وأمهات وأخوة وأخوات وأبناء وأصدقاء. انبرى المحللون والمعلقون السياسيون لبحث ما حدث وكيفية حدوثه ولماذا حدث, كل منهم تناول الموضوع وفق رؤيته لكن كل ما قيل لن يجدي نفعاً في وضع حد لأعمال مماثلة قد تحدث في المستقبل. إن من أقدموا على تنفيذ تلك الجريمة النكراء هم ثلة من الشبان الذين قدموا الى بريطانيا واتخذوا من العنف أسلوباً لحياتهم غير عابئين بحياة غيرهم, ضاربين بعرض الحائط الاتفاقات والأعراف الدولية ملحقين الضرر بالناس دون تمييز سواء كانوا أبرياء أم لا, مخلفين الحزن والأسى في نفوس الشعب البريطاني على الذين قتلوا دون ذنب ارتكبوه, الأمر الذي يدعو الى إعادة النظر في البنية الراهنة للمجتمع. بيد أن هناك تشابهاً في عمليات القتل والتدمير في كل من الفلوجة ولندن, ففي الفلوجة قتل وجرح آلاف من الأبرياء ودمر أكثر من نصف المدينة من مدارس وجوامع التي سويت بالأرض, وما تفعله الجيوش الأميركية وحليفتها البريطانية هو أشد عنفاً ووحشية مما جرى في لندن وعلينا ألا نرى ما أصاب لندن من حزن وأسى وألم بعين واحدة. إن الإنسان هو الإنسان أينما وجد سواء أكان في لندن أم في الفلوجة وعلى الذين لم يتبصروا بالمأساة التي سببناها في العراق أن يعرفوا معنى الحزن والأسى والألم والخراب. إن قتل الأبرياء والخراب والدمار لا تختلف النظرة إليه سواء أكان في الفلوجة أو لندن لقد غابت هذه الحقيقة عن أولئك الذين فجروا القنابل في لندن أو الذين قاموا بالدمار بحجة الحرب على الإرهاب في السنوات الأربع المنصرمة. لاشك في أن بلير ليس مسؤولا مسؤولية مباشرة عن قتل 50 وجرح 700 مواطن لكن عليه أن يتحمل جزءا من المسؤولية في قتل أكثر من 100,000 مواطن عراقي بريء. إن الذين أعدوا للحرب العراقية واختلقوا مبرراتها يعمدون إلى عدم الربط بين تلك الحرب المدمرة مع أحداث لندن وسواها من أعمال ارهابية. وعدم قيام الأمم المتحدة بواجبها لمنع الحرب عن العراق ساهم إلى حدما في زيادة الأحداث الأليمة في هذا البلد كما وأن التزامها جانب الصمت حيال ما يتعرض له شعب العراق من قتل وتدمير ساعد في تفاقم الأمور وزيادتها تعقيدا و القرارات غير الصائبة للأمم المتحدة أوحت لكثير من الدول بعد مصداقيتها في حل مشاكل الشعوب المقهورة ومساعدتها وأنها لا تعدو كونها منظمة باتت مطية للولايات المتحدة وانكلترا. يدعي البريطانيون والأميركيون بأن الارهاب ليس سببا قادت إليه الحرب على العراق أو افغانستان وإنما هو متأصل في نفوس من يمارسونه حتى لو لم يقوموا بهذه الحروب فسيحاربهم الارهاب في عقر دارهم ولكن الواقع يؤكد بأن المسؤولين في بريطانيا هم الذين تسببوا في هذه الأحداث عقابا على سياستهم الطائشة وانجرارهم وراء قرارات الولايات المتحدة. إن الغزو الذي قمنا به للعراق جعل منا هدفا مشروعا للجهات المعادية فهل تعتقد الحكومة البريطانية بأنها عند خوضها حربا ضد شعب ما ( حتى لو ادعينا أنها حرب على الإرهاب) ألم تجابه بأعمال مماثلة?! والسؤال الذي يطرح نفسه أيضا: اذا كانت الحكومة البريطانية تقوم بما يمليه عليها واجبها في العراق كما تدعي فما مبررات تسريب بعض الأقوال حول سحب بريطانيا لجزء كبير من القوات البريطانية من العراق واعادتها إلى بريطانيا قبل أن تنهي تلك المهمة الأساسية التي ذهبت من أجلها فهل انتهى الارهاب كي تنسحب هذه القوات من هناك. إن عدم فاعلية السياسة البريطانية التي انتهجتها في سبيل محاربة الارهاب أو تحقيق الديمقراطية في العراق يدعوها بالضرورة إلى إعادة النظر بتلك السياسة التي ما زالت تقود إلى الموت واصابة الكثير من الشعبين البريطاني والعراقي فضلا عما تسببه من مآس لهما. كما يرى توني بلير ضرورة القضاء على الارهاب في أي مكان بهدف حماية البريطانيين ويرى بأن هذا الارهاب متأصل في نفوس مرتكبيه مبتعدا في ذلك عن الأسباب المؤدية له والتي من ضمن اسبابها الرئيسية تبعيته لبوش الذي بذر الارهاب ورعى تربته وساهم في تنميته. إن الإقدام على غزو العراق بصورة غير شرعية وغير أخلاقية جعل العرب يشعرون بمزيد من الظلم الذي تعرضوا له في العقود الأخيرة من جانب الغرب. وقد تحدى بوش العالم بقوله بأن من لا يقف مع أميركا في حربها على الارهاب فهو يؤيد الارهاب ويقف ضدها. وما شاهده بعض الشباب المسلم من أحداث رهيبة تعرض لها المسجونون في أبو غريب وغوانتانامو والسجون الأخرى وضعتهم موضع الاختيار بين السلبية حول الأحداث القائمة أو التصرف باتجاه آخر ويبدو أنهم اتخذوا قرارهم الذي بنيت نتائجه في الأحداث التي وقعت في محطة القطارات والحافلات وسواها من المواقع واذا كانت الحرب على العراق قد أدت إلى اسقاط النظام القائم إلا أنه تحول لاحقا إلى بؤرة تنشر الارهاب في شتى أصقاع العالم وتسيل فيه الدماء كل يوم . جاء في حديث وزير الخارجية الاسترالي السابق في المنتدى الاقتصادي الذي انعقد العام الماضي بأن الارهاب الذي تولد عن الحرب على الارهاب في العراق قد فاق قوة وامكانيات الارهاب الذي كان موجودا قبل خوض هذه الحرب واستطرد بالقول اعطوني سببا واحدا يبرر الحرب على العراق الذي نتجت عنه هذه الأعمال الارهابية التي يتعرض لها جنود الاحتلال وبلادهم التي فقدت الأمن والطمأنينة. ليس هناك ما يبرر العملية الانتحارية التي تمت مؤخرا في لندن ومهما وضعت لها من أسباب لكن هذا الأمر يذكرنا بما اقترفته أيدينا ويجعلنا نبحث عن الطريقة التي توصلنا إلى شاطىء الأمان ولعله أيضا يساعد بلير في الرجوع عن غطرسته وإهماله كما وتدعوه لإعادة النظر بالتصرفات التي أدت إلى ما نحن عليه الآن والتي تدعوه ايضا إلى الشعور بالمسؤولية تجاه الأحداث وأن يأخذها على محمل الجد مراعيا مصلحة الشعب البريطاني وفي كل الأحوال فإن الشعب البريطاني لا يستحق ما أصابه نتيجة تلك التفجيرات التي حصلت مؤخرا. |
|