تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الإرهاب والسباق الدامي

قضاياالثورة
الأحد 24/7/2005م
علي قاسم

يأخذ الإرهاب بعدا هو الأخطر في سياق التداعيات التي تتالى تباعا, وتبدو مساحة التكهنات أكبر من كل التوقعات,

كما تكشف عن المناخ الآخر الأكثر قسوة في تعميم الفعل ورد الفعل, إلى درجة الاعتقاد أن تلك التفسيرات الساذجة هي المخرج, ومنها ما يذهب إليه الإعلام والسياسيون الغربيون في قراءة الظاهرة.‏

والمسألة هنا ليست للنقاش والمحاججة, بقدر ما هي عملية قراءة مبسطة للحال الذي وصلت إليه المفاهيم, وللمغالطات التي يصر أولئك على التمسك بها لتسويغ الخطأ, حيث نجد كمّاً آخر من المفارقة أشد قسوة, ولكنه أكثر ضعفا في الرؤية والحلول المقترحة.‏

والسؤال الفعلي.. لماذا الإصرار على تبويب الماضي, ومحاصرة الحاضر حين يتعلق الأمر بالمستقبل, والسؤال الآخر لماذا تبقى الرؤية محكومة بالافتراضات المسبقة, ما دام الواقع يقدم نماذج من الاختراقات الملموسة على أكثر من صعيد?.‏

بمقدور الكثيرين تقديم ما يحلو لهم من تفسيرات, بل وتحليلات, لكن أحدا منهم لا يستطيع أن ينكر ذلك الدور الذي أدته المفاهيم الغربية في تعزيزه, سواء لناحية التوفير غير البريء مكانيا, أم البريء زمانيا, حين كان الإرهاب غير الموصوف صناعة رائجة لمواجهة قوى الايديولوجيا, أو عندما تم التجهيز له كعامل ممانعة, أوكلت له مهمة التصدي أو المواجهة مع القوى التي لم يرق لأولئك مناخ وجودها, ولا عملية تطورها أو استمرارها.‏

وبالمنحى ذاته كان التقاطع القائم يوحي بالادراك الحقيقي لاتجاهاته, ولكن مراكز استشاراتهم ومراكز اتخاذ القرار السياسي لم تلحظ بوضوح عوامل التناقض الفعلي التي تقتضي المواجهة حين الانتهاء من الدور, أو بعد تنفيذ المهمة الآنية التي تم استيعابه من أجلها, وبرزت تلك التناقضات في التسهيل الايديولوجي لعملية العبور الإعلامي والسياسي لذلك الإرهاب, دون أن يتطلب ذلك مجرد السؤال عن الجهة التالية التي قد يذهب إليها, ولا عن الآلية التي تمنع تفشيه المعدي, ولا عن الوباء الذي يحمله تحت لافتة الخلفيات والذهنية المعبأة.‏

ومع ذلك ثمة فرصة سانحة للعقلانية في التعاطي السياسي على الأقل, بكل ما يتطلبه ذلك من احتياجات الأخذ بالذرائع ذاتها التي استخدمت لإطلاقه وتعميمه قبل عقدين ونيف من الزمن, وهذه الفرصة تقتضي الأخذ بالعوامل التي يتحجج بها لتسويغ انتشاره, وبالقضايا التي يسوق على حسابها, وحينها يمكن القول إن المكاشفة اقتضت القبول بكل الافتراضات التي يتم طرحها اليوم تعليقا أو تفسيرا.‏

وإذا كان أغلب الداعين إلى الاستراتيجية الموازية لمحاربة الإرهاب قد اكتشفوا النتائج الهشة التي قادت إليها حروبهم حتى اللحظة, فإن ما يجري لا يشير إلى الطابع الإدراكي المراد تعميمه, ولا إلى النهج الذي يبغون تسويقه, خصوصا لجهة الخطاب السياسي المتبع, حيث نجد بين سطوره فراغات سياسية يصعب تغطيتها, وفي الوقت ذاته تواجه انضغاطا غير مسوغ في أجزائها الأخرى, ما يوحي أن التمدد والانتفاخ, منتج واحد لمسوقين مختلفين, وفي المحصلة كانت النتائج تشابه التفسيرات في سطحيتها وهشاشتها.‏

وبين هذه وتلك ثمة سباق دامٍ يصعب وقف نزيفه أو التخفيف من حدته, ما دامت الأدوات لا تأخذ في الاعتبار عوامل التجدد التلقائي لذلك الوباء, ولا عملية التحوير في مهامه, وما دام الخطاب مرهونا بالنيات التي لم تكن حتى اللحظة إلا نتاج الرغبة في الهيمنة والاتهام.‏

إن الأخذ بالظواهر من دون النفاذ إلى الجوهر أعطى مساحة للإرهاب لم يكن بمقدوره الوصول إليها, والتعامل بعين واحدة مع عوامله جعلها تتوسع إلى هذا الحد الذي نلمس تضخمه إلى حد الورم في أكثر من مكان, والأخطر أن يظل الراهن الدولي حكرا على تلك التصورات, والاعتقاد أنها الوحيد المتاح..!.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية