تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الاستملاك...تأخر التنفيذ... أفضى إلى أوضاع جديدة

مراسلون وتحقيقات
الأحد 24/7/2005م
ماهر عزام

(استملكوا أرضه) عبارة تعادل معنويا عبارة (رحمه الله) فأي أرض تقرر الدولة استملاكها هذا يعني وإلى حد كبير أخذها بدون ثمن, فالثمن البخس إذا تدنى إلى مستوى فإنه يعني البلاش, على الأقل هذا ما يقوله منطق السوق.!!

مواطنون: الاستملاك يؤدي بالبعض‏

إلى الجنة وبآخرين إلى الجحيم‏

محافظة دمشق: الاستملاك‏

حسب الحاجة الفعلية .. لكن التنفيذ بعد عقود!!‏

شركة قاسيون شقت الأوتوستراد وأنشأت مزارع أشجار مثمرة لـ (تخديمه)‏

كيف يمكن للفرد أن يتحمل حاجة الجماعة للاستملاك بينما لا يمكن للجماعة‏

أن تعوضه.?‏

لنفترض أن لدى شخص ما أرضا زراعية ورثها عن أجداده وقرر أن يبقيها خضراء ليستثمرها في الزراعة ولنفترض أن الأراضي التي حوله ارتفعت فيها الأبنية المخالفة, فعندئذ إذا ما قررت البلدية التي يتبع لها تنظيم المنطقة فإن أول ما تقوم به هو استملاك أرض هذا الشخص من أجل إشادة الخدمات والمرافق العامة من شوارع وحدائق ومدارس وأبنية إدارية لتقوم بتخديم سكان الأبنية المخالفة, هذه الفرضية هي واقع متكرر عانى منه الكثيرون في أماكن مختلفة واحدثها ما جرى في أراضي السيد وائل أديب عبيد وأخوته في جرمانا, وهم يقولون ياليتنا خالفنا أسوة بغيرنا بل إن بعضهم صرح بأنه سيقيم عليها أبنية مخالفة في أقرب فرصة ممكنة.‏

مشكلة الاستملاك لم تبدأ هنا ولن تنتهي إلا بإيجاد رؤى جديدة لقوانينه وآلياته تنطلق من اعتبار‏

أن الاستملاك هو علاقة تجارية متكافئة بين طرفين هما(الدولة - المواطن).‏

في تحديد المشكلة‏

قررت محافظة دمشق إقامة ضاحية سكنية مع كامل خدماتها في بلدة المعظمية بداية ثمانينات القرن الماضي فاستملكت قرابة 90% من أراضي البلدة التي كانت تغل شتى أنواع الخضار والحبوب والفواكه. هنا توقف الفلاحون عن الزراعة بانتظار تنفيذ الاستملاك ودفع بدلاته وطبعا مازالوا ينتظرون حتى الآن مع فارق(بسيط) هو أنهم باعوا أراضيهم قطعا صغيرة لآخرين أشادوا فوقها عددا هائلا من الأبنية المخالفة تحت بصر البلدية- التي لم تكترث - لأن الأرض استملكت لصالح محافظة مدينة دمشق ولم يقدم لها أي نوع من أنواع الخدمات فالبلدية تتذرع بأنها مستملكة لصالح محافظة أخرى والمحافظة تقول بأنها لم تضع يدها على الأرض بعد , هكذا تحولت الضاحية الحضارية المنتظرة إلى أحياء هامشية فقيرة ومعدمة الخدمات حتى أن مشهد نقل المياه اليدوي لمسافة 2كم متكرر يوميا في تلك المنطقة.‏

لنلاحظ حجم الخسائر الاقتصادية المترتبة على تنفيذ مثل هذا القرار الآن: أصبح عدد سكان المنطقة ما يقارب خمس وعشرون ألف نسمة على الأقل, فإذا كان متوسط عدد أفراد الأسرة السورية خمسة أفراد, هذا يعني أن لدينا خمسة آلاف مسكن, فإذا أرادت المحافظة تنفيذ مشروعها السكني الذي مضى عليه أكثر من عشرين سنة فعليها أن تؤمن خمسة آلاف مسكن جديد وتهدم خمسة آلاف مسكن قائم.‏

المفارقة أنها دفعت سعر الأرض240ليرة سورية وسعر متر البناء مكسي(3050ليرة سورية) والكثيرون لم يقبضوا حتى الآن بدلات الاستملاك, والطريف في الأمر أن محافظة دمشق قررت بناء الضاحية كتعويض لعدد من المنذرين بالهدم داخل مدينة دمشق والآن أصبحت بحاجة لتأمين مساكن للمنذرين بالهدم الجديد في المعضمية ليحل مكانهم آخرون منذرون بالهدم في مدينة دمشق, أليست بربكم لوحة سوريالية!‏

في منطقة دمر الشرقية حارة كروم التين قصة لا تقل طرافة عن قصة المعضمية, فقد استملكت عدة وزارات مناطق واسعة منها منذ أكثر من ثلاثين سنة ولم تدفع بدلات الاستملاك إلا أن أصحاب الأراضي باعوا العقارات لمواطنين بنوا عليها أحياء مخالفة , يقول السيد محمد راتب سعد الدين من أهالي المنطقة:اضطررت بسبب ظروف المعيشة لشراء منزل في منطقة دمر المستملكة من الدولة وتقام عليها الأبنية المخالفة باستمرار فتمكنت بسبب الأسعار المتناسبة مع دخلي نوعا ما من تملك بيت وأنا في عمر 36عاما, ورغم تثبيت البيع في الكاتب بالعدل لا أزال كغيري من قاطني هذه الأراضي أعيش حالة قلق يومي إذ أخشى من أن تأتي الدولة وتضع يدها على الأرض من جديد, المشكلة أن التعويض لا يطال المشيدات الواقعة على الأرض بعد وضع إشارة الاستملاك, وهو بخس جدا. بالمناسبة أثناء حديثي مع المواطن سعد الدين جاء آخر مستفسرا عن الموضوع فلما أجابه أن الأمر يتعلق بصحفي يستفهم عن وضع المنطقة سأل القادم بلهفة :هل من جديد حول موضوع الاستملاك? وهل سينفذ قريبا? ولما قلت له ألق التحية أولا, أجاب نحن هنا نسأل عن مصير بيوتنا قبل السلام.‏

وحتى نمعن في توضيح عدالة الاستملاكات إليكم هذه الطرفة الواقعية: منذ فترة وجيزة استملكت وزارة الزراعة نحو عشرين دونما في منطقة الديرعلي جنوب دمشق وقدرت سعر متر الأرض 4.5 ليرة رغم أن الأرض واقعة محاذاة أوتوستراد دمشق درعا الدولي وبادر البعض إلى الاعتراض فما كان من وزارة الزراعة إلا أن رفعت سعر الأرض للمعترضين فقط, وكانت من الكرم بحيث ضاعفت المبلغ تقريبا وخمنت سعر المتر بسبع ليرات ونصف , العدالة على أية حال ليست هنا فالوزارة ستدفع ثمنا لأصحاب الأرض لا يتجاوز المائة والخمسين ألف ليرة سورية في حين أنها أجرت غرفة مبنية في الأرض المستملكة لشركة خليوي بمبلغ سنوي يصل إلى ضعف ثمن الأرض, فتصور يا رعاك الله(بعد إذن البجيرمي)‏

حاولنا مناقشة موضوع عدالة بدلات الاستملاك مع مدير التنظيم والتخطيط العمراني في محافظة دمشق المهندس غسان نويلاتي, فأحالنا إلى متاهة القوانين والأنظمة النافذة قائلا بأنهم جهة منفذة للقوانين فقط, وهكذا وجدنا أنفسنا مضطرين لمناقشة رأي آخر له حول الموضوع ذاته نشر في صحيفة تشرين العدد(9297)تاريخ9تموز 2005, كرد على إحدى الشكاوى.‏

يقول: (بالنسبة لبدلات الاستملاك ومقارنتها بالسعر الحقيقي, إن إجراءات التخمين للعقارات المستملكة تتم عن طريق اللجان المنصوص عنها بالمرسوم التشريعي 20لعام1983 حيث يتم التخمين وفق القوانين والأنظمة الناظمة لذلك.‏

وبالنسبة لوجود دراسات حقيقية قبل استصدار قرار الاستملاك :يتم الاستملاك للعقارات وفق الحاجة الفعلية وبما ينسجم مع الصفة التنظيمية والمصورات المصدقة بعد إعداد الدراسة اللازمة لذلك.‏

وبالنسبة للمخالفات التي تنشأ على العقارات المستملكة: أن المادة 9 من المرسوم التشريعي رقم 20لعام1983نصت على أن أي تعديل بمعالم العقار بعد وضع إشارة الاستملاك على صحيفته العقارية لا يعتد به من حيث بدل الاستملاك....).‏

لنلاحظ هنا أن نويلاتي يتحدث عن القوانين والأنظمة النافذة والتي تتعارض كليا مع المبدأ الدستوري القائل بأنه (لاتنزع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقا للقانون.) ومكمن التعارض الآن هو أن القانون الصادر عام1974 رقم 20 يمنح التعويض العادل فعلا حسب السعر الرائج, إلا أن صدور قانون رقم3 لعام1976 جعل التعويض وفق معادلة رياضية لا تولي أهمية وافية للسعر الرائج, وأكد على ذلك القانون رقم20 للعام 1983 المعمول به حتى الآن.‏

وهكذا انفصل النص القانوني وتباعد عن حركة السوق وانتفى مبدأ عدالة التعويض الدستوري.‏

وبالنسبة لحديث نويلاتي عن أن الاستملاك يتم وفق الحاجة الفعلية فإننا نتساءل ما هي الحاجة الفعلية في استملاكات مضى عليها عقود عدة من الزمن ولم تنفذ?!.‏

المفارقة أن الجهات المستمِلكة (بكسر اللام) من الوحدات الإدارية عندما تعرض للبيع بعضا من فضل الأملاك العامة¯ وهي بالأمتار¯ إلى المواطنين فإنها تقبض ثمنها بالسعر الرائج الذي يعد باهظا جدا بالقياس لبدلات الاستملاك المدفوعة.‏

هذه التعويضات غير العادلة أدت في معظم مراكز المدن وتحديدا في مناطق دمشق وريفها إلى ظلم بحق المالكين, فمثلا في منطقة تنظيم كفرسوسة قبض البعض بدلات استملاك زهيدة جدا في حين أن مالكين مجاورين لهم تماما تحولوا بفضل التنظيم من فلاحين إلى أثرياء من الدرجة الأولى, وهذا ما ولّد لديهم شعورا بالغبن نتيجة عدم المساواة متسائلين عن الذنب الذي ارتكبوه حتى تترك الأمور للصدفة والحظ.‏

الأمر تكرر في صحنايا حيث استملكت مساحات تصل حتى 400 دنم والسعر قروش لم تدفع حتى الآن كما يقول عصمت جبر.‏

إذا كانت أسس التنظيم العمراني تحدد مساحات الاستملاك للأملاك العامة في المخططات التنظيمية فمن يحدد مساحته خارجها?‏

لم ولن تستطيع أية جهة الإجابة على هذا السؤال إلا بجملة واحدة : يتم الاستملاك حسب الحاجة الفعلية.والطريف هنا أن الجهة الإدارية يحق لها قانونا أن تستملك مساحات تصل إلى عمق أربعين مترا من كل طرف عدا ما يلزم لتنفيذ المشروع (طريق, ساحات, ملاحب, حدائق, ..إلى آخره) ويحق لها التصرف بها تصرف المالك بملكه بما في ذلك البيع , هذا يعني أن المنفعة التي قدمها الإستملاك من خلال شق طريق مثلا صودرت باستملاك الأراضي المجاورة له.‏

هكذا قامت شركة قاسيون للطرق باستملاك أراض على أوتوستراد دمشق درعا ولم ينته المشروع حتى تحول جزء من تلك الأراضي إلى مزارع للأشجار المثمرة. فهل تعتبر هذه المزارع جزءا من الأوتوستراد الذي هو غاية الاستملاك?! ومن الذي حدد الحاجة إلى مثل هذه المزارع? هل هي ضرورية للأوتوستراد نفسه, وإذا ما فكرت الشركة ببيعها فكيف ستحدد سعرها عندئذ, وكم سيكون الفرق بينه وبين بدل الاستملاك المدفوع?‏

عندما نحصي الآثار السلبية لمنطلقات الاستملاك عندنا وآليات تنفيذه, سنجد أننا خاسرون اقتصاديا واجتماعيا, لأن مساحات الاستملاك لا تخضع لضوابط واضحة خارج المخططات التنظيمية, إذ يحق لأية جهة عامة أن تستملك و تحدد حاجتها من المساحة على هواها, هكذا يمكن أن نشاهد استملاكات بآلاف الأمتار لمعمل لا يتجاوز بناؤه الفعلي مئات من الأمتار المربعة, ولأن القانون لا يسمح بالتراجع عن الاستملاك يمكن أن نرى تلك المساحات مستثمرة وتنتج أكثر مما ينتجه المعمل ذاته لأن هذا الأخير قد يكون خاسرا!!!‏

وبسبب تأخر تنفيذ الاستملاكات الذي يؤدي إلى نشوء أوضاع جديدة تضاف غالبا إلى أزمة التنفيذ أزمات أخرى, والأهم تولد شعورا بالغبن لدى المواطنين جراء عدم تقاضيهم بدلات استملاكات عادلة , وتأخر استلامهم لها, إضافة إلى خروج الاستملاك في أغلب الأحيان عن علته القانونية, ألا وهي النفع العام مما يتيح للبعض في مواقع إدارية معينة من الإثراء أو تسهيل الإثراء على حساب الآخرين كما في حالة البارك الشرقي بدمشق مثلا.‏

المعضمية :تحولت الأراضي الزراعية إلى جرداء انتظاراً لتنفيذ الاستملاك‏

بدل استملاك المتر,5 ليرة وللمعترضين7,5الدير علي : ليرة سورية‏

دمر: قلق من تنفيذ الاستملاك عمره أكثر من ربع قرن‏

لقطات‏

- قال السيد عبدالله الدردري في تصريح صحفي حول علاقة قانون الاستملاك بتوقيع اتفاق الشراكة بأن : الاستملاك موجود في الاتحاد الاوربي ولكن يجب دفع تعويضات حقيقية لاصحاب الاراضي المستملكة.‏

- في قدسيا : أهمل الناس الأراضي التي وضع عليها إشارة استملاك فتحولت إلى مكبات للقمامة بدل أن يبنى عليها مرافق عامة كالحدائق والمدارس.‏

- قال فوزي محاسنة المستشار في وزارة الادارة المحلية والبيئة في تصريح للثورة ان مشروع القانون الجديد هو عبارة عن توحيد لكل القوانين والتشريعات المتعلقة بالاستملاك في قانون واحد بعد اعادة صياغتها وتعديل بعض احكامها وخاصة اسس التقدير اي رفع ما هو نافذ حتماً.‏

- لا أحد يخبر المواطن بالاستملاك نهائيا وإنما يعلم به إذا راجع الصحيفة العقارية بالصدفة أو تم تقدير البدل الاستملاكي حينها يخبروه ليتمكن من الاعتراض, وعندما يعترض يشترطون في الاعتراض الإقرار بإعلامه بالاستملاك حتى لا يرفع دعوى في القضاء الإداري.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية