|
ثقافة الادبية, التاريخية والدينية هناك كتبة انفقوا حياتهم في تعلم فنون الكتابة, وفي نسخ الالواح القديمة من الموروث العتيد,
وبعضهم وصل مرحلة الابداع الادبي فطور في النصوص القديمة واضاف عليها او انتج نصوصا ابداعية على غير نموذج سابق وقد شكل هؤلاء الشريحة المتعلمة في المجتمع, التي حافظت على الموروث وانتجت المعرفة واشرفت على تداولها بين الاجيال, معظم افراد هذه الشريحة, كانوا جنودا مجهولين عملوا في خدمة القصر الملكي او المعبد وتركوا لنا الاف الرقم التي لم تذكر اسم كاتبها , خصوصا من فترة الالف الثالث ومطلع الالف الثاني قبل الميلاد.. ولكن في سياق الالف الثاني قبل الميلاد اخذ بعض كبار المعلمين الكتبة بتذييل نصوصهم باسمائهم ضمن حاشية تذكر عنوان النص ورقم اللوح في السلسلة وتاريخه واسم الملك الذي دون في عهده.. هذا ما ابتدأ به الباحث في تاريخ الأديان فراس السواح خلال محاضرته المدارس والكتبة في حضارة الشرق القديم. ويضيف : ان المدارس والكتبة في سومر تمثل الانجاز الاكثر اهمية للثقافة السومرية في نظام متطور للكتابة ونظام رسمي للتعليم , ولعل من غير المبالغ فيه ان نقول مع عالم السومريات صموئيل كريمر, بأنه لولا منجزات اولئك العلماء والاساتذة السومريين الذي عاشوا في مطلع الالف الثالث قبل الميلاد, لما كانت المنجزات الفكرية والعلمية للحضارة الحديثة قد تحققت ويبدو ان ابتكار الكتابة ونظام التعليم قد سارا منذ البداية جنبا الى جنب, يدلنا على ذلك ان من بين اولى الرقم السومرية التي وصلتنا منذ عام 3000 ق.م هي من موقع مدينة اوروك . هنالك رقم تحتوي على قوائم بكلمات معدة للدراسة والتدريب على الكتابة. بعد ذلك تأتي الشواهد من اواسط الالف الثالث قبل الميلاد لتدلنا على انتشار التعليم وظهور المدارس فقد عثر في موقع شوروباك القديمة على عدد من (الكراريس) المدرسية تعود الى 2500 ق.م وتحتوي على قوائم بأسماء آلهة وحيوانات وادوات وعدد متنوع من الكلمات والجمل معدة لأجل الحفظ والتدريب على الكتابة في سياق النصف الثاني من الالف الثالث قبل الميلاد وصل نظام التعليم والمدارس في سومر مرحلة النضج فمن هذه المرحلة وصلتنا عشرات ألوف الرقم الطينية المنقوشة بالمسمارية ومعظمها عبارة عن نصوص ادارية تغطي كل جانب من جوانب الحياة الاقتصادية للبلاد ومنها نعرف ان عدد الكتبة كان يعد بالآلاف,بينهم الكتبة المعلمون,والمساعدون وكتبة للقصر الملكي, وآخرون للمعبد ومتخصصون في نشاطات ادارية معينة وهنالك كتبة تحولوا فيما بعد الى شخصيات بارزة تشغل مناصب عالية في الدولة. واشار المحاضر الى ان السومريين دعوا مدرستهم ايدوبا اي بيت الالواح التي كان هدفها الرئيسي مهنيا حرفيا , فهي تعنى بتدريب وتخريج الكتبة المحترفين الذين يسدون حاجة البلاد, وخصوصا القصر الملكي وبخصوص المناهج وطرائق التدريب فقد ابتكر الاساتذة السومريون نظاما للتدريس يقوم على تصنيف اللغة في قوائم من الكلمات والجمل ذات الصلة ببعضها وجعل الطالب يستظهرها ويعمل على نسخها حتى يتوصل الى اتقان كتابتها بسهولة كما عمل هؤلاء الاساتذة على وضع قوائم مختلفة بالموضوعات الرياضية, والحسابية وفيها مسائل رياضية مع حلولها المقترحة واخرى في المسائل اللغوية والنحوية اي ان هذه المجموعات كانت تختصر معارف ذلك الوقت وعندما علا شآن الاكاديين الساميين في المنطقة عمد اساتذة المدارس السومرية الى وضع اولى القواميس في الثقافة الانسانية والتي احتوت على الكلمات السومري ومقابلها الاكادي.. الى جانب هذا المنهج العلمي البحثي فقد اعتمد الاساتذة منهجا اخر نستطيع وصفه بالمنهج الادبي الابداعي ويقوم على دراسة ونسخ النصوص الادبية القديمة التي دوّن معظمها خلال النصف الثاني من الالف الثالث قبل الميلاد بلغة شعرية راقية, وهي تدور حول موضوعات متنوعة مثل الملاحم, والاساطير والمرثيات والحكم والامثال وتتفاوت بين الالف سطر والخمسين سطرا او اقل وهناك المئات من هذه النسخ التي اعدها تلاميذه في طور التدريب ويدل على ذلك اسلوب كتابتها والاخطاء المرتكبة فيها . ثم انتقل المحاضر من عالم الهلال الخصيب الشرقي الى عالم الهلال الخصيب الغربي ليعطي فكرة عن نظام التعليم والكتبة في كنعان معتمدين على وثائق مدينة اوغاريت الموطن التقليدي للكتابة الابجدية ليقول: يلف الغموض مسألة ابتكار الابجدية المسمارية التي استخدمها الكتبة الاوغاريتيون بديلا عن الكتابة المسمارية المقطعية التي كانت مستخدمة في بلاد الرافدين .فهذه الابجدية المسمارية ليست الشكل الابكر للكتابة الابجدية رغم اقترابها كثيرا من استحقاق هذا الشرق. فلقد سبقتها الابجدية الكنعانية التخطيطية التي تكتب بحروف تخطيطية ترسم بشكل حر وهذه الابجدية نعرفها من عدد محدود من الوثائق. والابجدية التخطيطية تعود الى القرن السادس عشر قبل الميلاد بينما لم تصبح الابجدية المسمارية الاوغاريتية مستخدمة الا في اواسط القرن الرابع عشر قبل الميلاد. ويضيف : يعزى ابتكار الابجدية الاوغاريتية الى الكتبة الاوغاريتين الذين نعرف عنهم اليوم امتلاكهم دربة فائقة ومعرفة بعدد متنوع من الخطوط واللغات , بينها الحورية ,والحثية والسومرية والاكادية.. يشهد على ذلك تلك النصوص التي عثر عليها في الموقع مكتوبة بأربع لغات . ومن المحتمل انهم قد توصلوا الى هذا الابتكار قبل 1400 ق.م رغم ان النصوص التي وصلتنا ترجع الى ما بعد هذا التاريخ فلقد تمرس هؤلاء الكتبة بكتابة الخط المسماري المقطعي القديم ثم تعرفوا على الابجدية الكنعانية التخطيطية التي استعملت مجموعة من الاشارات الكتابية تمثل الحروف الساكنة وتتجاهل الحروف الصوتية . فقام هؤلاء بتبني هذه المبادئ في صياغتهم للابجدية المسمارية . وابتكروا سبعة وعشرين اشارة اورمزا مسماريا تقابل الحروف الساكنة الرئيسية ثم جرى بعد ذلك توسيعها لتغدو ثلاثين حرفا بعد ادخال اشكال للحروف ( الف ) منطوقا.. وينهي الباحث فراس السواح محاضرته بتطرقه الى النصوص الميثويولوجية الرئيسية التي جاءتنا من مكتبتين كهنوتيتين هما مكتبة الكاهن الاعلى ومكتبة الكاهن الساحر فقد احتوت (الاعلى) على النصوص الميثولوجية والملحمية الكبرى مثل سلسلة بعل وعناة وملحمة أقهات). الى الجنوب قليلا من مكتبة الكاهن الاعلى يقوم البيت الذي دعاه علماء الآثار بيت الكاهن والساحر لأنهم عثروا فيه على نماذج فخارية لرئات وأكباد حيوانات كانت تستخدم كما هو الحال في أنحاء مختلفة من الشرق القديم في تقنيات العرافة كما. عثروا فيه على مكتبة تضم رقما نسخ عليها اجزاء من نصوص ميثولوجية..كما تم العثور على مكتبتين خاصتين اكتشفت الاولى في بيت واحد من علية القوم يدعى رابانو, احتوت على تشكيلة من النصوص وعلى نص معجمي رباعي اللغة يحتوي كلمات بالاوغاريتية والبابلية والسومرية والحورية بينها نصوص ذات طبيعة علمية مكتوبة بالاكادية ونصوص ذات طبيعة طقسية سحرية ورسائل ديبلوماسية اما المكتبة الثانية الخاصة فقد اكتشفت في منزل يقع الى الجنوب من اكروبوليس المدينة وتحتوي على تشكيلة من النصوص بينها كسرة رقيم عليها جزء من اسطورة الطوفان البابلية. |
|