|
مجتمع و لاشك أن مرور الطفل بمثل هذه الخبرات والمواقف يخلق لديه العديد من التساؤلات عن هذا المفهوم وسببه وغايته، وإذا أجيب على أسئلة الطفل بطريقة مناسبة وبما يناسب سنه، فإنه يهدأ ويرتاح معرفياً ونفسياً و نستطيع حمايته من المخاطر التي تتولد من صدمة الموت.
انفعالاته وقتية .. الباحثة التربوية ميرنا منصور(ماجستير في رياض الأطفال) استهلت حديثها بالقول : إنه عند الموت يصبح الجو الأسري مشحوناً بالحزن والانفعال لما يصاحبه من بكاء وغيره من سلوكيات تجعل الموقف برمته غريباً ومزعجاً للطفل، وفي كثير من الأحيان يكون رد فعل الطفل خادعاً، حيث يتسم انزعاجه باللحظية، فنراه يلعب ويمرح تارة ويعود لانزعاجه تارة أخرى، ذلك أن انفعالات الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة تتسم بعدم الاستمرار وهي وقتية، مما يجعل المحيطين يعتقدون أن الطفل غير مدرك لموقف الموت، مضيفة أن استجابة الطفل للموقف بشكل واضح تأتي غالباً متأخرة، فهو يتألم ويحزن للفراق مثله مثل البالغين لكنه وبسبب اعتقاده أنه يستطيع التأثير بالقدر بحركاته وكلامه، سواء بشكل إيجابي عن طريق تحقيق الأمنيات أم بشكل سلبي عن طريق معاقبته, يجعله يمر بهذه الانفعالات اللحظية التي لاتدوم طويلاً. مصارحته .. وأوضحت منصور أن الأطفال من عمر ثلاث إلى خمس سنوات يفهمون ويتفاعلون مع موت أحد الوالدين أو المقربين إليهم كفهمهم وتفاعلهم مع مفهوم الفراق ويظن الأطفال في هذا العمر بأن الشخص الذي فقدوه سيعود يوماً ما، وقد ينسون لفترة ما خبر الموت ولكن سرعان ما يبدؤون بالتساؤل عن وقت رجوع هذا الشخص الذي غاب فجأة (وخاصة إذا كان أحد الوالدين) فلابد من إخبار الطفل في هذا العمر إن هذا الشخص ذهب ولن يعود أبدا ، حيث إن الأطفال في سن الرابعة أو الخامسة قد يفهمون في بعض الحالات أن الموت لا يمكن عكسه، لكنهم غالباً ما يظنون بأن الوالد الميت يعيش في مكان أو عالم آخر مثل « الجنة، « السماء ». وأضافت منصور أن الطفل يمر في تعامله مع مفهوم الموت بثلاث مراحل: المرحلة الأولى الصدمة: حيث إن الطفل يصدم عندما يعلم بما حدث ويفقد قدرته على الشعور وهو لا يريد أن يصدق بأن الموت وقع فعلاً، لأن ذلك يسبب له الألم، أو هو أحياناً أخرى قد ينكر أن الموت حصل فعلاً، هذه هي طريقته في معالجة الأمر أما المرحلة الثانية الحيرة والغضب: حيث يغضب الطفل بسرعة ويصبح عدوانياً مع بقية الأطفال، ويسأل نفسه : لماذا حدث هذا لي ؟ لماذا أنا ؟ يرافق ذلك في بعض المرات غضب على الفقيد نفسه وقد يشعر بالذنب، ربما لو قمت بهذا العمل لما ذهب و مات، أما المرحلة الثالثة هي الكآبة والحزن: بعد أن يتقبل الطفل الموت، يبدأ شعوره بالحزن والأسى لمدة وجيزة وكثيراً ما ينفجر بالبكاء، ويحلم بالميت، ويفتقده و يضع صورة للمتوفى أو بعض أغراضه في أنحاء البيت وهذا أمر طبيعي. مبالغته في التخيل .. وبينت منصور أن ردات فعل الطفل الذي تعرض للفقدان تكون من خلال انزعاجه أثناء النوم لاعتقاده أن النوم يشبه الموت، وخوفه من أن يموت هو أيضاً، إضافة إلى مبالغته في التخيل والحلم حيث إن غالبية الأطفال بعد موت أحد الوالدين يعودون لعادات كانوا قد تركوها منذ زمن بعيد مثل: مص الإصبع ، التبول اللاإرادي، الكلام الطفولي، وتصرفات أخرى كانت تناسبهم وهم في سن أصغر وكذلك المزاج الحاد للطفل، والسلوك العدواني تجاه نفسه والآخرين وفقدان الاهتمام بالألعاب، أو الأنشطة التي اعتاد ممارستها، وذلك لإحساسه بالأسى والحزن ، أو الحداد، لأنها ترمز إلى خسارة عزيز وتذكره بالشخص الفقيد وأيضاً تعلق الطفل الشديد بالآخرين والاعتماد عليهم وخاصة ( الأم ، الإخوة ، الأخوات ) وذلك لشعوره بفقدان المساعدة وبخيبة الأمل والعجز، وقد يشكو الطفل من اعتلالات جسمية مثل: الصداع، أوجاع في المعدة، جفاف الحلق، تقلص العضلات. دور الأسرة.. وذكرت منصور أن جميع الدراسات النفسية والتربوية تتفق على حقيقة أن مرحلة الطفولة المبكرة تعتبر من أكثر المراحل الحرجة من ناحية إمكانية حصول مشكلات نفسية في المستقبل إثر وقوع حادث في العائلة، لذلك يجب على الأسرة عند الوفاة أن تشارك الطفل في توديع الميت ومراسم الجنازة وتقبل التعازي ورؤية الحزن الذي يسود جو البيت. وقد يرغب الطفل بوضع زهرة أو صورة أو رسم على القبر، هذا يساعد الطفل على التكيف مع فكرة فقدان الشخص, كما أنها تساعده من جهة ثانية في فهم حقيقة الموت وتجاوز الأزمة بشكل عام والتأقلم معها، كما يجب الإجابة عن أسئلة الطفل بصدق وتزويده بمعلومات واضحة غير مبهمة، ملائمة لعمره، مع اختيار كلمات مناسبة لأن التحدث مع الطفل دون وعي، يمكن أن يسبب ارتباكاً وتشويشاً للطفل، مثلاً ينبغي تجنب الإشارة إلى الموت على أنه «نوم « هذه الفكرة ستبدو مرعبة للطفل الذي سيخاف من النوم ويخاف من عدم الاستيقاظ مرة أخرى، كذلك الأمر بالنسبة لكلمة «لقد رحل بعيدا»، بالنسبة للطفل قد يعني هذا أن أي شخص سيسافر سيرحل ولن يعود كما فعل الشخص الذي توفى كما ينبغي عدم تجنب الطفل أو تجاهل أسئلته عندما يتعلق الأمر بالموت لأن الطفل سيسأل شخصاً آخر يوماً ما وقد لا يكون هذا الشخص مؤهلاً للإجابة، مع الانتباه لضرورة تجنب التفاصيل القاسية والمؤلمة على وجه الخصوص إذا كان سبب الوفاة المرض، كما يجب الإشارة إلى أن أكثر الناس المرضى لا يموتون، وبأن المرض لا يعني دائماً الموت ولا ينبغي القول للطفل إن كبار السن هم الوحيدون الذين يموتون فعاجلاً أم آجلاً سيفهم الأطفال بأن ذلك ليس صحيحاً عندما يموت شخص في مثل عمرهم أو أصغر. مضيفة أنه يجب على الأسرة ألا يشغلها حزنها عن الاستمرار في منح الحب والحنان لأطفالها، كذلك يجب تحمل ردود فعل الحزن والأسى الطبيعية لدى الطفل والصبر عليها بكل دفء وحب لأنها ستتوقف بمرور الوقت، منوهة بأن الحداد هو جزء ضروري لعملية التكيف أو الشفاء من هذه التجربة المؤلمة كما يجب أن تتيح الأسرة الفرصة للطفل للتحدث عن ذكرياته مع الشخص الذي توفي والسماح له بالاحتفاظ بصورة قريبة منه إذا طلب ذلك وتشجيعه على متابعة روتين حياته اليومية كاللعب أو قراءة القصص. دور المعلمة .. أكدت منصور أن دور المعلمة لا يقل أهمية عن دور الأهل، بل هو في كثير من الحالات أكثر تأثيراً ولاشك بأن التواصل اليومي مع الأطفال هو من أكثر الوسائل فاعلية في مساعدتهم للتغلب على خبراتهم المؤلمة وذلك بمساعدته على التعبير عن مشاعره المرتبطة بالأزمة ولتبسيط مفهوم الموت بإمكان المعلمة مساعدة الأطفال على مراقبة دورة حياة مختلف الكائنات الحي في الطبيعة والتحدث معهم حول أطوار الحياة والمراحل المختلفة للنمو (من الميلاد والنمو والتقدم في العمر والموت) ومناقشة ذلك مع الأطفال من خلال مشاركتهم ببعض الأنشطة كغرس البذور وتجميع أوراق الأشجار المتساقطة في فصل الخريف وكذلك زيارة حدائق الحيوان لمشاهدة صغار الحيوانات ، مضيفة أنه في حال حصول وفاة في بيت أحد أطفالها يجب على المعلمة أن تهيئ باقي الأطفال في الصف بإعلامهم مثلاً أن والد رفيقهم قد توفى، وبأن رفيقهم حزين ومن المستحسن معاملته بود ولطف وإذا كان هناك أكثر من حالة في الصف لأطفال فقدوا أحد آبائهم من المستحسن أن تخصص المعلمة بعض الوقت في التحدث عن مدى الحزن الذي يسببه فقدان شخص عزيز، وعن أن الشعور بالحزن والغضب في هذه الظروف هو شيء طبيعي ، وبأنه بعد مرور بعض الوقت سوف يخف الحزن والألم كما ينبغي أن تحاول المعلمة ألا تبالغ في إظهار الاهتمام للطفل الذي حلت عليه المصيبة بل يمكن أن تصرف بعض الوقت معه في لقاء فردي لإعطائه الدعم العاطفي لتجنب خوفه على نفسه من الموت والنقاش معه حول فكرة كون الموت بشكل عام هو نهاية كل إنسان عندما يهرم أو عندما يصاب بمرض خطير أو يصاب في مواجهات أو حادث ، فمن شأن ذلك أن يساعد الطفل على الاهتمام بسلامته الشخصية إذا أمكنه ذلك وأيضاً يجب تشجيع الطفل بالقيام بنشاطات إيجابية متعلقة بالأشخاص المتوفين كالتحدث عن ذكرياتهم معهم، كما يمكن استغلال القصص التي تتحدث عن الموت والتي من شأنها المساعدة على بداية الحوار مع الطفل في ذلك الموضوع وأخيراً تنمية قدراته الكامنة والتشجيع المستمر له للمشاركة في الأنشطة المختلفة والعمل على تعزيز ثقته بنفسه ومن الضروري التواصل مع أهل الطفل، للكشف المبكر عن أي مشكلات نفسية أو سلوكية ناتجة عن مروره بمثل هذه الخبرة المؤلمة والعمل معاً على الحد منها . |
|