|
فضائيات وتختلف رؤية كل منها للمدينة التي يعيش فيها تتبع الكاميرا وجوه الشخصيات وتلتقي شريحتين تقفان من دمشق موقفين مختلفين:الأولى تنتمي إلى الشام قلبا ومسقط رأس،والثانية وقع اختيارها على هذه المدينة لتأمين لقمة عيش كملجأ اختياري .
يحتل اقتراب الكاميرا من تفاصيل الشخصيات حيزا كبيرا في المساحة التصويرية لتفاصيل حياة كل شريحة، الأولى مأخوذة بالذاكرة وبأيام زمان حيث الخضرة والماء البارد والجو النقي،مقارنة إياه بواقع يصل حد البكاء على شام لم تعد كما كانت. يشتغل المخرج على بث عفوي لأصوات تدين الواقع عبر مشاهد لوجوه مرت بتجربة اكتشاف الذات والوعي،بطرح سؤال نردده جميعا أين هي دمشق الشام في وجداننا؟ لتجيبنا الشخصيات،أنها لم تعد موجودة فقدت هويتها،يستعيد (الفواز طنجور) بفيلمه فكرة فيلمه السابق(شمس صغيرة) حب لونة لدمشق وكره أسامة لها... لونة هي الآن إبراهيم صموئيل،الذي يرى أن دمشق لم يعد لها طابع الماضي ولا المستقبل،السبب هو اللانضباط الذي ترك للناس،ليعملوا ما يريدون،فتخلخل شكل المدينة وإيقاعها. (في نصف قرن تغيرت البنية الاجتماعية وتبعثر ما كان يمكن أن يكون أجمل، دمشق لم تعد تشبه ماكانت عليه):لاأستطيع أن أعيش فيها ولا أن أتركها،ليجيء صوت يوسف انطون ووجهه الكدر،من عالم آخر مازال يحصي عدد الذين عرفهم،وأنه لم يعد يعرف أحدا،ا(الشوام)تركوا بيوتهم،ولم يبق في حارتي إلا (أربع أو خمس بيوت)أعرف سكانها ،تغيرت الشام... ينتهي المشهد عند قوله (الشام حلوة)ويأتينا صوت فيروز ليؤكد رغم كل ماكان وسيكون،(لملمت ذكرى لقاء الأمس بالهدب ورحت أحضنها بالخافق التعب)هنا تلتقط الكاميرا صورا لبيوت متعبة،مهجورة،متروكة،توشك أن تتداعى ..فهل هي دمشق حقا؟ يتصاعد الخط الدرامي عبر فيلم يتقصى ويطرح أسئلة برؤية تحليلية لمدينة لم تستطع أن تهضم كل هذا التنافر،يستحضر شخصيات وفدت إلى دمشق،مكثت فيها بحكم الضرورة،ورغم وجودها في هذه المدينة إلا أنها لم تعرف بعد القدرة على التكيف معها،لنسمع ونرى وجوها متوعكة أرواحا مازالت تعيش ذاكرتها،في القرية،تلوذ ببوح يتقطع حيرة:أصبح العيش بدمشق عبئا لاخلاص منه.. كاميرا المخرج (الفواز)كاميرا شجاعة تتغلغل عبر ثنايا الروح يمسك فيها بتلابيب المشاهد منذ البداية ،بداية لاتنطوي على الغموض لكنها تؤسس لإدانة ما،منذ لحظة تحرك فيها الباص ولافتة مكتوب عليها إلى دمشق.. فيلم لم يسمح أن نلمس الأسباب الحقيقية التي جعلت من دمشق،مدينة ثلثها(أقل أو أكثر لاأعلم)مناطق عشوائيات..فيلم يتشارك أبطاله في المعاناة وحب دمشق وكرهها في آن.. ماذا بقي من دمشق -الشام،سؤال طرحته مشاهد الفيلم،ماذا بقي غير حمام محبوس بقفص كشاش حمام،وبقعة خضراء وسط كومة من الاسمنت قاتمة ورتيبة.. هل مازالت دمشق مكانا لتحقيق الأمنيات،أم إنها ستصبح بعد هذا الفيلم إنذارا للذين يحلمون،بالانتقال إليها،إنها بؤس اختياري . فيلم وثائقي إبداعي يحمل وجهة نظر،لم يتقصد تأثيرا انفعاليا على ما أذكر لكنه استخدم السرد والأرشيف ومقابلة الناس ليلبي نقصا في أفلام وثائقية. انه أكثر من مادة بحثية دقيقة لايطرح أجوبة لكنه يفتح الباب واسعا على ضرورة أن لايكون بالتعاطف هو الحل الوحيد،فيلم متطور تعبيريا وجماليا،يزيح الصمت،عن قول شهير(أن العقل ليس هو من يعلم الغافلين،ولكن الخسائر التي يمنون بها)! |
|