تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في عصر الحوسبة والعولمة...هل سنستطيع إنجاز مدونتنا العربية؟

ثقافة
الثلاثاء 13-4-2010م
فادية مصارع

كثيراً مانتحدث عن الذخيرة اللغوية وفوائدها الجمة، وضرورة مواكبة التطور التقني والاستفادة من العلوم الحديثة، وإيجاد بنية تحتية خاصة باللغة العربية ومحتوى لغوي موسوعي.

لكن هل يمكن لمثل هذا العمل الضخم أن يقوم من فراغ؟ بالتأكيد لابد أن يستند إلى تراكمات لغوية قديمة وحديثة تكون في إطار عمل موحد يساعد الباحثين على سبر أغوار اللغة ودفع عجلة تطورها نحو الأمام.‏

التدوين من الشفاهة إلى التوثيق‏

وهو ما يؤكده د. عدنان عيدان في بحثه عن مدونة اللغة العربية، إذ يرى أننا حتى نستطيع أن ننجز مدونة للغة العربية تضم أكبر كمية من الكلام العربي قديماً وحديثاً وحفظها على جهاز الحاسوب، لتتحول إلى ملف الكتروني هائل يتجاوز حجمه حالياً مليار ألف مليون كلمة عربية، والعمل جار للوصول في النهاية إلى 10 مليارات كلمة تغطي جميع فروع العلم والمعرفة الإنسانية على مدى حقب تاريخية تتجاوز 1500 سنة لانجاز كل ذلك لابد أن نستند إلى مابناه الأولون، فالتدوين اللغوي مر بمراحل عديدة كان سيدها الفراهيدي والتي استندت إلى الاستماع لمفردات اللغة العربية، من أفواه الناطقين بها وجمعها وحصر ألفاظها بتحديد وتعريف المهمل والمستعمل من كلام العرب، وبذلك يعد أول من وضع لمدونته أسلوباً جديداً اعتمد على التقاط وجمع كلماتها من أصولها ثم تدوينها حفظاً لها من الضياع، كما أنه جامع وواضع أول قاموس أو معجم في العربية وهو قاموس (العين).‏

وانتهى الأمر لأن يعتمد على هذا الإنجاز وعلى لغة العرب في البادية كل من الأزهري الذي أوصل إلينا معجم (التهذيب) وتلاه الجوهري في (الصحاح).‏

ليتضاعف بناء هيكلة المدونة اللغوية بالاستناد إلى أحاديث وكلام العرب في البادية مع تطور الزمن، ودخلت المدونة اللغوية مرحلة جديدة استندت إلى رواة اللغة وتصنيفهم للمفردات وترتيب جذورها واشتقاقها.‏

لتتسع الذخيرة اللغوية اتساعاً كبيراً بالاستناد إلى الموروث اللغوي بعد التأكد والتوثيق من المصادر، ونجد ذلك عند الصاغاني في معجم (العباب) و(تاج العروس) عند الزبيدي، لتنتقل بعد ذلك المدونات اللغوية من حالة كتابة الشعر والمقالة والأدب إلى حالة التاريخ والجغرافيا والطب والفيزياء وغيرها من العلوم وتبلغ أوجها في العصرين العباسي الأول والثاني حيث أغنت الترجمة فيهما ليس العربية وحسب بل ساهمت في تطورها لتصبح لغة العلوم إضافة إلى كونها لغة الأدب والشعر.‏

بالأرقام‏

ويوضح د. عيدان بالأرقام المصادر المكتوبة والمادة اللغوية عند اللغويين العرب والقدامى، والذي يستنتج من خلالها أن المادة اللغوية قد اتسعت اتساعاً كبيراً بتقدم الزمن، وأن مصادرها في ازدياد لكثرة المؤلفات، واللافت أنه على الرغم من استعمال الفيروز آبادي لأكثر من 2000 مصدر كذخيرة لغوية إلا أنه لم يجد غير 60000 مادة لغوية.‏

في حين استخدم الزبيدي في تاج العروس 500 مصدر ليتمكن من بناء مدونة لغوية تزخر بـ 120000 مادة لغوية، وبالتالي فإن عملية اختيار المصدر مهمة جداً في المدونة اللغوية للتمكن من إيجاد مادة لغوية حية.‏

والملاحظ أن التوسع في ألفاظ اللغة وظهور معاجم تزخر بالمادة اللغوية العربية ترك الباب مفتوحاً أمام ظهور علوم أخرى منها النحو والصرف والبلاغة والإملاء والخط والعروض والتاريخ والنقد الأدبي، كل ذلك بفضل المدونة اللغوية البسيطة التي أسست للبنية التحتية اللغوية التي أنتجت العديد من القواميس وكتب اللغة، وعلى الرغم من اختلاف المدرستين اللغويتين البصرية والكوفية لاحقاً إلا أنهما وضعا أساساً صلباً تراكم عليه البناء اللغوي العربي.‏

وللحفاظ على ذلك البناء هناك حاجة ماسة لمتابعة التدوين بما يلائم روح العصر، ليصبح المحتوى اللغوي العربي مرجعاً متعارفاً عليه بالاستناد إلى التراكمات والذخائر التي يحويها.‏

مادة المدونة العربية‏

وبشأن اختيار المادة العلمية للمدونة اللغوية، يؤكد د. عيدان أنه لابد من اختيار نصوص المدونة بكل حيادية، ودون تمييز بين نص عربي وآخر، واستثناء مواقع الدردشة على الانترنت لكونها لاتمثل نصوصاً عربية حقيقية، وقد عكف الباحثون على جمع النصوص من الكتب العربية القديمة والحديثة التي تتسم بها القيمة اللغوية المجردة فقط، ويجب أن تغطي مادة المدونة العربية جميع تفاسير القرآن والأحاديث النبوية، وشروحاتها الفقهية الخاصة بجميع مذاهب المسلمين، والكتب الخاصة بالأديان السماوية الأخرى دون تحديد أو ميل إلى جانب على حساب آخر.‏

فضلاً عن شمولها لجميع علوم الكلام الصادرة قديماً أوحديثاً وشروحاتها وتعليقاتها.‏

إضافة إلى الكتب التاريخية والفلسفية والجغرافية والعلوم الإنسانية بما في ذلك الكتب الفكرية والاقتصادية والإدارية من الحقب التاريخية جميعها.‏

كما تشمل أيضاً ماقاله العرب في الشعر قديمه وحديثه، وماكتب من دراسات وبحوث نقدية أو شروحات تفسيرية.‏

ثم الكتب والمؤلفات العلمية الأساسية والتكنولوجية والمتعلقة بها من مؤلفات تغني المدونة العربية وتضيف إليها قيماً دلالية وجمالية.‏

أما المراحل التاريخية لمادة المدونة فيجب أن تشمل فترة ماقبل الإسلام ثم صدر الإسلام، والعصر الأموي وبدء التدوين، والعصر العباسي ومرحلة التدوين والتوثيق، ومرحلة سقوط بغداد عام 1258 م حتى ظهور الطباعة الحديثة والمرحلة الأخيرة من عام 1830 إلى الوقت الحاضر.‏

كما يمكن أيضاً تصنيف مادة مدونة اللغة العربية على أساس سنة النشر، أو التقسيم الموضوعي للمادة اللغوية للمدونة.‏

وكل ماسبق يحتاج إلى باحثين متمرسين في اللسانيات الحاسوبية، وهذا النوع حسب الخبير في مكتب تنسيق التعريب بالرباط د. علي القاسمي غير موجود في بلادنا العربية في الوقت الحاضر، لأن أقسام اللغة العربية وشعبها في جامعاتنا لاتزال تستخدم مناهج قديمة تدرس بطرائق قديمة، لذا ينبغي تغيير المناهج والطرائق التدريسية وتحديثها ،وبالأحرى ضرورة تمحور أقسام اللغة العربية على الهندسة الحاسوبية لأن الكتاب في شكله الحالي قد يندثر قريباً، ويحل محله كتاب الكتروني، بحجم العادي نستطيع أن نستخدمه لمطالعة الكتب، وسماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام، والاتصال مع الآخرين شفوياً وكتابياً والاطلاع على الأخبار ، وإجراء المعاملات التجارية وتوقيع العقود، وإجراء الحجوزات الفندقية والجوية والطرقية اللازمة لسفراتنا وجميع الأنشطة الحياتية التي تخطر على بالنا كما تنبأ بذلك بيل جيتس في كتابه المعلوماتية بعد الانترنت.‏

فهل سنستطيع تغيير مناهجنا، قبل أن نحلم بإنجاز مدونتنا العربية؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية