تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عرب ألمان والحنين الحزين

معاً على الطريق
الثلاثاء 13-4-2010م
د. أحمد برقاوي

ومعترض يتساءل: أهناك حنين فرح ؟ أجل الحنين درجات، وأعلى درجاته الحنين الذي يولد حزنا شديداً في النفس.

فحنين اللاجىء إلى وطنه - وبخاصة اللاجىء الفلسطيني الذي رأت عيناه فلسطين - حنين حزين جدا.‏

حنين إنسان ما- ابن قرية - يعيش في المدينة- إلى قريته حنين بسيط لأنه قابل يتحقق.‏

حنين المهاجر من وطنه إلى وطنه الذي عاش فيه حنين حزين يساوي حنين اللاجىء.‏

عشت معهم أياما جميلة، ثلة من السوريين والفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين، في برلين. أحبوني وأحببتهم جدا. وليس بمقدوري أن أنساهم أبداً.‏

جون نسطة - طبيب سوري متقاعد، كاتب، مفكر، وإنسان مذهل، بكرمه وطفولته وصدقه وكرامته. عرفته في دمشق ولكن لم أعرفه على حقيقته إلا في برلين. مهموم بقضايا أمته، بالتقدم، بالحرية بالعدالة، الرئيس الثاني لمؤسسة ابن رشد للفكر الحر في ألمانيا، كلما حن إلى دمشق عاد إليها ، تزود منها وعاد إلى ألمانيا.‏

يذهلك بانتمائه وحنينه، كما يذهلك بفلسفته الجميلة في الحياة. يذهلك بنشاطه كما يذهلك بحبه للآخرين.‏

رتب لي دعوة للقاء بالجمعية العربية في برلين. مجموعة من بلاد الشام والعراق، يستأجرون في كل شهر قاعة في أحد المطاعم يتبادلون فيها اطراف الحوار ويستمعون إلى الشعر والغناء الشرقي.‏

كانوا مجموعة ممن يقتلهم الحنين إلى أوطانهم، تربط فيما بينهم علاقات حميمة.‏

احتفلوا بي احتفالا لايفسره إلا الحنين إلى الوطن. كأنهم رأوا فيّ دمشق وبغداد وبيروت والقدس وعمان.‏

ماأن انتهيت من قراءة بعضا من قصائدي حتى جنح بهم الحنين أكثر. وهنا بدأ فقرة الغناء. العود بين أنامل طبيب وصوت عذب، عبد الوهاب أم كلثوم صباح فخري فيروز فريد الأطرش حضروا جميعهم. وبين كل أغنية وأغنية يعلن أنها مهداة إلى.‏

حناجر الجميع تغني، الأجساد تتمايل برقة شديدة، بحة الصوت تفوح منها رائحة الحنين إلى الوطن، حب الوطن، حب من جاء من الوطن.‏

إنهم يقهرون غربتهم بعلاقات معشرية تذكي فيهم الرغبة في العودة إلى الوطن.‏

إنهم من جيل عاش في الوطن أصلاً، ومازال يحمل على ظهره شمس الوطن وذكريات الطفولة والمراهقة كان اللقاء على وشك الانتهاء، حين أعلن عازف العود أنه سيهديني اغنية فريد الأطرش: مسافر مع السلامة- ترجع لنا بالسلامة.‏

تأثرت كثيراً، كنت أرى في عيونهم الحنين الحزين. لكني انتبهت إلى صبي وصبية في سن المراهقة كانا يجلسان إلى جانب أبيهما.‏

كان الملل بادياً على محياهما. لقد ولدا هناك، ولدا في برلين، وحياتهما بدأت وتطورت في برلين، واللغة الأم هي اللغة الألمانية. مبكراً غادرا الحفلة، لم أندهش. فتلك هي الحياة.‏

إنهما الآن المانيان حقيقيان ، لغة وثقافة ماضياً ومستقبلاً.‏

سيموت جيل الحنين ولن يترك إلا ذكرى ستخبو مع الأيام.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية