|
آراء ولانعيب على البداوة لأنها البداوة ، بل نعيب على أنفسنا الردّة والرجوع إلى الانحطاط . ابن خلدون في مقدمته أشار كثيراً إلى الانهيارات الاجتماعية وتنبّه ، ونبّه إلى البطر وخطره على الوقت الإنساني وعلى جملة العلاقات .... وغيره فلاسفة وباحثون نفسيون أخذتهم التأملات والتساؤلات مأخذاً بعيداً، وتعمقوا في فهم الكون ، وأشاروا إلى أن الحب هو المشكلة أوالمعضلة الحميدة التي تنشأ بنشوء الإنسان وتكبر به ومعه وتصير شجرة بقائه وبهائه ... وتبرر وجوده ....وها هوالإنسان يتخلى عن مشكلته الجوهرية ، ويتباهى بانحطاطه وضآلة تكويناته النفسية والإنسية والجينية .... وينشغل بمشكلات تالية ، هي في أغلبها لاتؤدي إلى الروح ولاتجيد ترجمة اعتباراتها ومعانيها ....بل هي في الاتجاه الآخر المعادي والمعاكس ... غدونا بأمسّ الحاجة إلى لجوء عاطفي يشفينا من تشردنا وشقاء الأكاذيب ....كل كائن يخص عمره بمؤنة ضخمة من الكذبات السوداء ...العاطفة الجديرة بالتقدير مثلها مثل إبرة النساجين ، تخلق الثقة والتواصلات بين خيوط بريق المحبين وأزرار وعرى أمانيهم ... ومثل نول الحائكين ...وتنسج مناديل الروح ، وتحيك عباءات التأملات .. بالقليل من المؤنة العاطفية الأكيدة نؤكد وقارنا الإنساني ونستطيع الوقوف أمام أحلام غير مريضة ، كما تقف الوردة أمام رسائل عطرها .. وقد مرّ العشق بمرحلة ازدهار ، لاتبعد عنا كثيراً ، وأحاطنا بزهوه وبهجة غنائيته .. وغدونا بذاك الازدهار أجمل رفّة هدب أيام وسنوات ...حينها كانت الحبيبات يراسلن قلوب المحبين بالمناديل المعطرة بأنفاس العطف الجميل وإلى وقت قريب ظلت النساء تحيك الصوف بإبر الشوق ...وكم تدفأ أبناء وأحباب ومشتاقون بحياكة الأنامل الحنونة ، وحكايات الأفئدة والوجدانات المحتمية بسياجات وقت الاشتياق والمشتاقين .. تمردت أيدي النساء اليوم على حياكة الحب ونسيج الآمال واستبدلن ثقافة الأنامل الحنونة ، التي تعطي الحب ، بثقافة الأنامل ، التي تجمع وتأخذ ، دون عطاء ...صارت الأيدي للملمة البشاعات وتكديس التعاسات ، بعد أن كانت للأمانات ... الرخاء العاطفي ليس بذخاً أوترفاً فاجراًَ ، كما نرى عند البطرين ، الذين ينفقون الكثير من المال، والقليل القليل من العطف النبيل .. ومن أين لهؤلاء الساقطين تحت أقدام وحشية المال أن يتنفسوا الحب ، وأن يتماثلوا للشفاء العاطفي ؟ في زمان الحب، أي زمان للحب ، تكبر البيوت ، وتحمي العشق والعواطف ...وفي زمان اللاحب تكبر أكثر البيوت لكنها تحمي الجوع وويل البؤس....الإنسان يعتني بالمؤن ...والعاطفة أهم المؤن ...ولاأقصد العواطف السياحية ، والمطروحة في السوق مثل البطاطا المخزونة والخضار البلاستيكية والفواكه المجففة...في كل شارع وعند كل جادة وقرب الساحات وفي الأعالي وعلى التلال والهضبات نرى البيوت الكبيرة ، لكن لانرى أثراً للحب..بيوت ضخمة لكن جملة غرفها وأعمدتها لايدخل في تمتينها العطف والوجدان، بل هي بيوت تؤوي البطر ، بدل أن تؤوي دفء العلاقات العائلية .... والنساء مسؤولات أكثر من الرجال عن فساد محاصيل التوق والإنسان ...وهنّ الخازنات الأكيدات لقمح العشق والحنين ...لكن من علّم النسوان هتك براعة الأشواق وتمزيق عباءة المشتاق ؟ زمن فقير بالعاطفة رغم كثرة ترديد اسمها، واجترارات العواطف والردة إلى البداوة وجاهلية الأحزان لايشفع لنا عند عواطفنا ، ولايجعلنا أثرياء ... البيوت الضخمة لم تعد تعبيراً عن علو الشأن والتماسك بقدر ما هي تعبير عن الفقر الروحي ومهارة السقوط .... |
|