|
آراء فيجري حواراً مع جاره الذي يشاركه في حضور الأمسية، أو يكمل حديثاً كان قد بدأه قبل أن يبدأ العازف العزف أو يبدأ المحاضر محاضرته.. في الأمسية الموسيقية الأسبوعية التي عودنا الصديق الأستاذ ياسر المالح على حضورها مساء كل يوم اثنين في مجمع دمر الثقافي، تحت عنوان «نادي الاستماع الموسيقي» كانت النصيحة التي أشير إليها أنصت تدخل عالم الحقيقة كانت تندرج تحت عنوان النادي المذكور... وفي اعتقادي أن نصيحة كهذه، وإن كانت قد جاءت في صيغة الأمر المبطن واللطيف نوعا ما، بيد أنها أثمرت عن حقيقة بالغة الأهمية، وهي حضور الصمت بين رواد الأمسية إن صح التعبير، وذلك لأن الموسيقى عالم قائم بحد ذاته ولا يحتمل أي مستوى من مستويات الوشوشة التي كثيراً ماترافق أمسيات موسيقية، من جانب هذا الطرف أو هناك، ومع ذلك يستمر الموسيقار أو المغني ضمن فريقه، يستمر في أداء وصلته غير عابىء بمن يستمع إليه أو لايستمع لاعتبارات لا أجد ضرورة لتعدادها. إن عالم الموسيقى حين يحتضنه ناد خصص للاستماع والتأمل في رقة الصوت أو النغمة أو حتى الكلمة، لن يكون قادراًعلى الاحتفاظ بهويته إلا كان له حضوره الحاسم في مناسبة الاستماع وفي المقدمة من شروط الاستماع الصمت. إنه العالم الذي لايقبل المساومة على هويته بأي شكل من الأشكال وبالتالي، لن يقبل إلا أن يكون سيد الموقف بلا منازع. وفي السياق المتصل، فإن قيمة هذه الأمسيات التي يحييها الأستاذ المالح في نادي الاستماع الموسيقي في مجمع دمر الثقافي، تتجلى في ظاهرة هي الأخرى تستحق التنويه بها، وذلك عندما تكون أعمار الحضور بين الرابعة عشرة والثمانين، هذه الظاهرة، بحد ذاتها هي حقاً معلم حضارة وارتقاء. ومع اتساع الحلقة، أسبوعاً فأسبوع، أعتقد أن التجربة التي يقودها الأستاذ المالح في المجمع المذكور، كما سبق أن أعدها وقادها منذ مالايقل عن عشر سنوات في المركز الثقافي العربي في شارع أبي رمانة حتى اليوم مساء كل يوم خميس، أعتقد أنها الإجابة الصريحة والواضحة على تدني الذوق العام في الزمن الراهن حيث الصراخ لا أكثر شعار مرحلة الموسيقا الهابطة والأداء الفج. إن علو الصوت، وإدخال الميكرفون إلى جوف الحلق لإسماع رواد المطاعم أو الأندية الليلية إياها، لايندرج تحت أي عنوان من عناوين فن الغناء أو الفن الموسيقي، وسوى ذلك، لأن البداية يجب أن تكون من نقطة أنصت، أنصت حتى تتفهم مايخاطبك به اللحن وما يخاطبك به المطرب حين يستحق حقاً هذا اللقب.. في سياق الاستماع إلى أغنية «ياحلو ياقمر» للسيدة فيروز من مقام سيكاه وهي من كلمات الأخوين رحباني ومن إنتاج العام 1950، كذلك في سياق الاستماع إلى أغنية «النهر الخالد» لمحمد عبد الوهاب من مقام حجاز كار وراست، من إنتاج العام 1954، وهي من كلمات الشاعر المعروف محمود حسن إسماعيل، أقول في سياق هذين العملين الكبيرين في أمسية الاثنين الماضي، لا يتمالك المستمع إلى شرح مايتصل باللحن أو بالصوت في حديث محاضر من وزن الأستاذ ياسر المالح، لايتمالك إلا أن يتساءل بينه وبين نفسه ترى إلى أين نحن ماضون في خضم هذه الجعجعة التي يعلو ضجيجها ومع ذلك لا نرى ذرة واحدة من طحين، وإلى متى؟..... |
|