|
شؤون سياسية وكان الجانبان قد اتفقا على جملة قضايا شملت أفغانستان ، والأزمة الاقتصادية العالمية التي يعاني منها الطرفان على قدم المساواة وتغير المناخ، إلا أن هذه كانت القضايا السهلة التي انتقاها أوباما لنقل البلدين من أجواء الحرب الباردة إلى مناخات السلام الحار. بيد أن القضايا غير السهلة، والأهم لاتزال عالقة وستهدد في كل حين بإعادة العلاقات الروسية- الأمريكية إلى نقطة الصفر. أولها مطالبة روسيا لواشنطن بأن تعترف بمناطق نفوذها الحيوي في مناطق الاتحاد السوفيتي السابق، بما في ذلك جورجيا التي قرع الغزو العسكري الروسي لها أجراس إنذار قوية في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن روسيا تبدي اعتراضاً على امتلاك دولة إسلامية كإيران على مرمى حجر من حدودها سلاحاً نووياً، إلا أن لديها مصالح شاسعة في تلك الدولة: من مبيعات السلاح والطاقة النووية والمصالح المشتركة الخاصة بأسعار النفط والغاز، وإلى كون طهران ورقة مساومة في يد موسكو لابتزاز الغرب . لذلك، لايتوقع أن يحصل أوباما على دعم موسكو له سواء في مجال إقناع إيران بالتخلي طوعاً عن برنامجها النووي أم فرض عقوبات جديدة عليها إذا ما رفضت، إلا إذا ما أقر لها أولاً بمناطق نفوذها في مجالها الحيوي. لكل هذه الأسباب لا تزال موسكو وواشنطن تقفان في مكانهما. وهما على الأرجح ستبقيان تراوحان في هذا المكان، إلى أن تفرض إحداهما وجهة نظرها أو رؤاها على الأخرى . أجندة موسكو وواشنطن متناقضة جوهرياً، فروسيا تريد العودة إلى زمن الأمجاد، ولن تقبل أمريكا بمشاركة عرشها مع أحد، من هنا تبقى قضايا ضم جورجيا وأوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، إقامة المنظومة الصاروخية الدفاعية الأمريكية في أوروبا، التعاون المشترك في مواجهة إيران النووية، إصرار موسكو على نبذ النظام الأمني القائم في أوروبا ، وإصرارها على إيجاد بديل للدولار الأمريكي كعملة احتياط عالمية رئيسية، مواضيع عالقة بين البلدين. إن جل اهتمام الإدارة الأمريكية يتركز الآن على الوسائل التي يمكن بواسطتها ممارسة الضغط على روسيا . فبحثت أمريكا مع شركائها من الدول الأخرى إمكانية إسقاط روسيا من عضوية نادي الثمانية الكبار. ولكن القيام بتبديل مهم في تركيبة الثمانية ، يبدو غير واقعي، ولكن من الممكن اتخاذ تدابير اقتصادية وقانونية ضد روسيا، ولهذه الغاية ينبغي توفير وحدة تامة في مواقف الحلفاء الغربيين، وبالأخص فيما يتعلق بألمانيا التي يتوجب عليها أن تعيد النظر في علاقاتها الثنائية، وخاصة على صعيد الطاقة والغاز مع روسيا. فهل ستنجح أمريكا في حربها الخفية الجديدة ضد روسيا؟! إن الدول الأوروبية لا يمكن أن تقف لا مبالية حيال العروض الروسية المغرية بمدها بالنفط والغاز، وإمكانية معاداتها لروسيا أمر غير وارد حالياً، فأمريكا هي التي تتحمل مسؤولية أزمة الطاقة العالمية. كما أن أمريكا استنفدت «احتياطيها السياسي» في دول الكتلة السوفييتية السابقة. فبعد انهيار النظام استلمت السلطة في جميع تلك الدول تقريباً «الطابور الخامس» الموالي لأمريكا. بيد أن هذا الطابور الخامس انكشف وافتضح أمره تماماً، وظهر عدم حرصه على مصير ومستقبل بلدانه وشعوبه. وفي حين أن قادة وكوادر هذا «الطابور» أثروا واعتنوا بفضل سياسة «الانفتاح» و «الأجواء المفتوحة»، وما اقتضته تلك السياسة من تعميم الفساد، فإن بلدانهم سارت في خط انحداري على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كل ذلك بسبب سياسة الولايات المتحدة الرامية إلى إسقاط هذه الدول. فاليوم لا تملك أمريكا خططاً بديلة يمكن أن توقع دولاً جديدة في شباكها . من جهة أخرى، تعرف موسكو أن الولايات المتحدة تواجه صعوبات في نقل معدات عسكرية ومدنية إلى أفغانستان عبر باكستان، إذ إنها تخسر وحلفاؤها شهرياً حوالي 200 شاحنة بسبب هجمات مقاتلي «طالبان» إذاً، في أفغانستان تلتقي المصالح الروسية الأمريكية، وخصوصاً أن أي انسحاب سابق لأوانه للقوات الأمريكية من أفغانستان، يشكل تهديداً للمصالح الوطنية الروسية في منطقة آسيا الوسطى الاستراتيجية، لهذا تشعر روسيا بأن عليها أن تتحمل مسؤولية دولة كبرى، وتقدم مساعدة لواشنطن لحل المشكلة الأفغانية، وهذا يصب في مصلحتها مع تزايد الهجمات الإرهابية في منطقة القوقاز. العلاقات بين البلدين كثيرة التعقيد، ولكنها متشابكة المصالح، وبهما ترتبط مصالح دول كثيرة، أمريكا غير مرحبة بعودة قوية لروسيا على المسرح الدولي، وروسيا تعتبر أن هدف أمريكا الأول جعلها ضعيفة، وأنها تريد إحاطتها بالحلف الأطلسي وأنظمة الصواريخ، لتزداد قوة أمريكا وتضعف روسيا أكثر. المشكلة الأهم أن دول نزاع ومشكلات كثيرة مرتبطة بواحدة من هاتين الدولتين ، فإذا التقتا ساهمتا كثيراً بتخفيف حدة التوتر ونزع فتيل الانفجار في العالم. |
|