|
ثقافة
وقد جعل المؤلف كتابه الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب للعام 2019 موزعا على تسعة أبواب، ذكر في الباب الأول إلماحة تاريخية وأثرية للمدينة، والباب الثاني خصصه لجغرافيتها الطبيعية، والثالث لسكانها، فتحدث عن نماذج المساكن القديمة وعن أنماط المعيشة، وفي الرابع تحدث عن الزراعة والصناعة، فذكر الصناعات الغذائية المحلية والطبخات المحلية، وفي الخامس نقرأ عن بدايات التعليم في قارة وأبرز رجالاته، والسادس خصصه لتراجم الشعراء الشعبيين في البلدة ومنهم حسن حيدر، مرعي حيدر، والشاعر محمد نايف قدور، والباحث د. محمد عمر الحاجي وله أكثر من خمسمئة قصة للأطفال موزعة على ثلاثين سلسلة تدور في فلك الآداب والتربية والتراث منها» نساء خالدات، في كل ليلة حكاية، وهل الإيمان إلا الحب، ورواد النجاح، والعبقرية.. وخصص الباب السابع للمرويات الشفوية» الأدب الشعبي، مقتطفات من الأمثال الشعبية، وإن تقاطعت مع أمثال باقي الأرياف والمدن السورية وكذلك بعض الحكايا وبعض عبارات المجاملة. وفي الباب الثامن نتعرف على خصوصية العرس الشعبي في قارة وتفاصيله وكذلك الأعياد والمآتم، وفي التاسع والأخير نمر على الأحياء القديمة، فالجديدة، وعلى الوحدة الإرشادية والجمعية الفلاحية وغير ذلك. وعن تاريخ هذه البلدة يقول ياقوت الحموي في كتابه» معجم البلدان» قارة قرية كبيرة على قارعة الطريق وهي المنزل الأول من حمص للقاصد إلى دمشق كانت آخر حدود حمص وماعداها من أعمال دمشق وأهلهم كلهم نصارى وبها عيون ماء جارية يزرعون عليها». وعن المنتديات الثقافية والاجتماعية يقول المؤلف» في النصف الأول من القرن العشرين كان منزول المختار هو المكان الذي يجتمع فيه وجوه البلدة، فيتسامرون ويتناقلون الأخبار والحكايا وكان للمختار منزلة اجتماعية كبيرة. ومن أعيادهم عيد الصليب ويكون بعد انتهاء جني المحاصيل من العنب والمشمش والحصاد والذرة والبطاطا والثوم، ويكون هذا في شهر أيلول أو في آخره، والعيد الثاني هو عيد الميلاد في رأس السنة الميلادية، وعيد الفصح وهو العيد الذي يأتي بعد صيامهم سبعة أيام ينقطعون فيها عن أكل اللحوم ويعتمدون على الأغذية النباتية. أما الآثار في قارة فهي كثيرة ومنوعة وقد بلغ عدد المعابد فيها 11 كنيسة منها كنيسة القديس مارجيوس، وكنيسة القديس ديمتروس، والقديس سرجيوس وباخوس، كما يوجد فيها السراديب والمغاور وكان يستفاد منها لدرء مخاطر الغزاة واللصوص، وتخصص الأبراج للمراسلات والبريد والمراقبة، كما يوجد فيها الأقنية الرومانية من مثل قناة الجامع الكبير. أما كهف صوفيا فكان يتخذه المسيحيون مقبرة لموتاهم، وكانت جميع الينابيع المحيطة ببلدة قارة التي تسمى المزارع كانت تجر مياهها في أقنية رومانية محفورة تحت الأرض إلى بركة تتجمع فيها المياه ليلا لاستخدامها في سقي الأراضي في النهار. الكتاب يقع في 366 صفحة من القطع الكبير يحاول أن يجمع معلومات شاملة عن هذه البلدة المتربعة في منطقة القلمون والتي استطاعت أن تتميز ليس فقط بعراقتها التاريخية بل أيضا بجمالها وحسن تنظيمها وجمال بنائها وتماسك أهلها وتعاونهم في إظهارها بالشكل الحضاري الذي يليق بها. - فاتن أحمد دعبول مقاربات نقدية في الشعر والرواية..الحـب كقيمــة إنســانية كبـــــرى.. اجتهد الباحث (إياد مرشد) بإمعان لتقديم دراسة نقدية في الشعر والرواية، منتقياً أبرز النتاج الفكري للكتّاب المترفين حباً، عارضاً المواقف والأحداث التي مروا بها، منقباً عن معانيها في المراجع والأبحاث، ومع ذلك لم يكتف بشرح وتوضيح نتاجهم بل أضاف عليه نزعته الخاصة فمزجت ثقافته المعهودة بضم أقوال بعض مفكري العالم الذي كان لهم حضورهم في الشعر والرواية، ما أضاف على كتاب (مقاربات نقدية في الشعر والرواية) الصادر عن دار الهيثم للطباعة والنشر والتوزيع ومؤسسة سين للثقافة والشعر والإعلام، جمالية خاصة، تمنح القارئ محتوى معرفياً وفكرياً، ولا سيما أن (مرشد) خصص باباً توضيحياً يعرف الحب كقيمة إنسانية لايمكنه التخلي عنها رافداً عبارة للشاعر ماياكوفسكي (للشعر وظيفة واحدة هي الدفاع عن إنسانية الإنسان في هذا العالم).
لم يكن البحث بعيداً عن دخان الحرب على سورية مؤكداً الجانب الإنساني الأكثر تأثراً بويلات الحروب، فحجم الدمار الذي تخلفه في النفوس أكثر عمقاً وأذى مما تتركه على شتى المجالات، ومن هنا اختار الشاعر السوري (عبد الكريم الناعم)، الذي (كان صوته ملتصقاً بحمص ثمالة وعشقاً ومرتبطاً إلى الأبد بحبلها السري هادراً رافضاً الخروج منها بحثاً عن السلامة والأمان الشخصي وتلمس ما يحاك لمدينته من آثام فازداد تشبثاً بالبقاء والاستمرار) وفقاً لما ذكره في بحثه، مختاراً (مرشد) قصيدة (ملمح) يصف فيها الناعم مجزرة رهيبة ارتكبها الإرهابيون بحق أهل المدينة وذهب ضحيتها أكثر من ستين شخصاً من الأبرياء تم قتلهم بأسلوب وحشي لا يمارسه إلا قتلة من عصور الظلام، ولا ينسى أن يشير إلى أن الضحايا هم من البسطاء. ستون جثة / أوائل الخريف بدؤها/ استعملت الأمواس فيها/ والسكاكينُ السواطير الكلاليب/ الملامح التي كرّمها الرحمن/ شوّهت. وبالانتقال إلى جزء الرواية الذي أخذ حيزاً مهماً من البحث، اختار (مرشد) عنصر الزمن الروائي في رواية (ألف ليلة وليلتان) لهاني الراهب، فبرأيه (تمنح هذه الرواية القارئ قدرة جديدة تعينه على الغوص في عالم الرواية الذي يتسم بالاختلاط والتشعب) واصفاً (مرشد) إياها (الرواية تمتلك جهازاً تقنياً يتسم بالتنوع وهي بحق تعدّ نموذجاً للرواية السورية التي استطاعت استيعاب مجمل التقنيات الروائية الحديثة ويمثل الزمن عنصراً رئيسياً فيها، حيث تبرز أهميته من عنوان الرواية وانتهاء بالصفحة الأخيرة منها). يستند الباحث في مقاربته على عبارة (لميرهوف) عن أهمية الزمن الروائي، (يعي العقل الحديث الزمن بعمق كشرط جامع للحياة، وكعامل لا بد منه في معرفتنا للإنسان والمجتمع)، هذه المقولة تؤكد الأهمية الكبيرة التي يحتلها الزمن بالنسبة للإنسان والمجتمع، ويمكننا أن نضيف أن الزمن ذو أهمية كبيرة بالنسبة للرواية بوصفها نوعاً أدبياً ذا خصوصية زمنية فالرواية تعرف بأنها (شكل من أشكال التجربة الفكرية للفيلسوف، وهو أن تعلمنا شيئاً من العالم الواقعي). ما يجعلها أكثر ارتباطاً بالزمن كعنصر بنيوي من عناصر البناء الروائي. بينما الجزء الذي أسماه (يوسف المسمار والانتماء القومي) يعرّف (مرشد) القارئ بالشاعر المهجري الذي عاش في المهجر جسداً ويعيش فيه الوطن روحاً وجوهراً، ليس بشاعر غزل أو وصف، وليس هو بالشاعر الذاتي المنغلق على نفسه مكتفياً ببث لواعجه وخيباته وصدى أعماقه، يقول: شعري أشعةٌ إحساسي بمجتمعي والناس طراً، أرى في الشعر منتجعي أسابقُ الضوء والأنوار تتبعني كأنما النور غير الشعر لم يطع سعى المؤلف في بحثه إلى كشف (العلاقة بين الشكل والمضمون في قصيدة نزار قباني) وهو العنوان الذي استفاض به الباحث ليشرح للقارئ أن جودة الشعر تكمن في تحقيق التوافق والتكامل ما بين الشكل العام للقصيدة -الصنعة الفنية لها- وما بين مضمونها وغاياتها، (فإذا كان الشكل هو الجسد الذي يعطي للقصيدة مميزاتها الفنية ويشتغل على تحقيق التوافق بين مكنوناتها، فإن المضمون الفكري لها هو الروح التي تكسبها بعداً إنسانياً وعمقاً وجدانياً). مشيراً لرأي بندتو كروتشيه (أهمية المضمون تنحصر في التعبير عنه)، فالشاعر العربي نزار قباني الأكثر حضوراً في النصف الثاني من القرن العشرين، سواء من الناحية الشعرية أم الشعبية أم الإعلامية، شكل ظاهرة مميزة في الشعر، فقد استخدم شكل التوقيع خروجاً عن النمط الخليلي محاولاً سلوك التجديد في قصائده يقول في قصيدة حوار مع أعرابي أضاع فرسه: لو يكتب في يافا الليمون/ لأرسل آلاف القبلات/ لو أن بحيرة طبريا تعطينا بعض رسائلها لاحترق القارئ والصفحات /لو أن القدس لها شفة لاختنقت في فمها الصلوات. عند باب الدير.. حين يدوّن الوجدان عذابات الضمير ويعيد توازنه قصّة تعيدنا إلى توازن ذواتنا، تقودنا بكلماتها الانسيابية إلى المثالية، هناك حيث يبني الأطهار بيوتهم، يغذّون فيها وجدانهم بإكسير المحبة، «عند باب الدير» قصّة تأخذك لتطهرك من آثامك كقارئ تشفع له الحروف، فهي صدى الضمير الغافي المنتظر طوق نجاة، وكأنها وجدت لتعرّج بنا إلى سماء النبل نحمي طهرنا من الاندثار والضياع.
«ماذا يحصل للمرء إذا انقلبت الموازين في عقله؟ واختلطت الحقيقة بالخيال؟ لعل الحرف القادر على إعادة التوازن إلى عقولنا وقلوبنا». بتلك الجملة قدمت القاصّة «سعاد مهنا مكارم» قصتها «عند باب الدير» الصادرة عن دار سومر للطباعة والنشر والتوزيع، هي حكاية انفصام عن الذات، لفارس ذي الثلاثين ربيعاً، يعيش حلماً يقظاً، مع الراهبة «بتول»، مسافراً مع جمال سريرتها في ارتحال روحانيّ، هناك قرب باب الدير. في سرد ممتع وجميل، تثير القصّة التشويق في نفس القارئ، يتصدر فيها «عباس» بطل القصة، بأسلوب وجداني، عميق الوصف، بجذب المشاهد الحيوية التي تستمد من الطبيعة كل ثقلها، وكأننا نحلم ونتخيل، لنسير مع البطل في فسحة إلهية، فرغم قلّة الأحداث وفتورة حركتها، إلا أن وجود الشخصيات الثانوية أضافت حيوية ما كسرت ملل القارئ كشخصية أم محمود، وجميل وغيرها.. وخاصة لقارئ لا يحب هذا النوع من القصص، أي التي يقل فيها نسبة الشر ويكثف فيها القاص الحراك الوجداني ويتعمّق بالمعاني الوجدانية، فرغم جولة البطل في مدار حلمه الذي يكون فيه القاتل لزوجته «سليمى» يخرج كل مكنوناته لها خلال عقله اللاواعي، إلا أنه بقي ذاك الراعي الطيب « دوماً كان يقول أبي:إياك أن تسبقك الشمس إلى المراعي! إذا سبقتك سيبقى قطيعك جائعاً، فلا تعتب إذا بخلت غنماتك وضنت بحليبها، إذا أعطيتها تعطيك ولا تنسى أن تمر ببركة الماء وقل لها ألا تبخل في إرواء القطيع، لا تترك أغنامك عطشى، دعها ترتوي حتى الثمالة، كن سباقاً لا تتأخر، فالسباقة لمن سبق». أما الخصم (العدو) في القصة أي عنصر الشرّ، هي «أم مي» المرأة المومس» ابتلي بها الأب لجمالها فكافأته بجلطة أودعته التراب، أيوجد في الدنيا امرأة تفعل بابنتها ما فعلته أم مي؟ لا ليس بعيداً على امرأة عاهرة إزهاق روح أقرب الناس إليها حتى ولو كانت ابنتها». تتحول مجريات الأحداث وبسرعة لتسلط الضوء على «مي « الفتاة النبيلة التي حافظت على طهرها لتصبح راهبة في الدير، بعدما نجاها الرب من ظلم أمها « الآن أضرم شموعي قناديلاً قرباناً للخالق، أكرمني الله وأنقذني». في نهاية القصة تلتقيها سليمى صديقتها مع زوجها عباس وطفلتيهما «شمس وقمر»، في الدير، بعد أن أراد أن يفي نذره والحلم الذي راوده في رحلة روحية طويلة، ليجد في النهاية أن الراهبة « مي « هي بتول التي رآها في حلمه، وكأنه تحقق أمله. لم تكن حبكة القصة نمطية بل كانت مركبة أي بدأت من النهاية، فقد تسلسلت فيها الأحداث من النهاية إلى البداية، لا يمكننا اعتبار قصة» عند باب الدير» من النوع العاطفي فهو لم يحكِ قصة حب تمر بصراعات وصعوبات ومواقف، بل يمكننا القول إنها قصة من النوع الواقعي، هدفها تقديم رسالة مجتمعية، وفضائل أخلاقية، وقيم إنسانية، تتغلغل في نفس القارئ من خلال سرد حكايات وأحداث حقيقية يُجسّدها أشخاص تعايشوا مع واقعهم كما هو، لكن بقيت روحهم تتوق إلى الانعتاق. |
|