تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عن التنبؤ والشيوعية والخرافة

ثقافة
الثلاثاء 7-4-2015
مصطفى علوش

أمام استمرار بثّ برامج وفقرات الأبراج والحظ، وأمام اتساع مناخ الخرافة إعلامياً، لا أجدّ مفراً من الهبوط في حقول هذه الخرافة و توقعاتها التي تحاصرنا في معظم الإذاعات والفضائيات، للبحث عن أسباب استمرارها ومنازلتها من موقع السخرية،

والبحث عن مدى الإغراء بالتعاقد مالياً مع تلك «الخبرات» التي تعرف أيهما كان قبلاً البيضة أم الدجاجة.‏‏

والغريب أن متنبئة معروفة، تعاقدت منذ سنوات طويلة مع إذاعة محلية تكاد صيفاً وشتاء لا تصاب حتى بالزكام، فهي لا تعرف عطلة أسبوعية، ومتى صحوت من نومي أستمع إليها تعيد نفس الكلام الخرافي، وهي تبحث عن توافقات لها علاقة بيوم وتاريخ ميلاد الشخص، مع اسمه واسم والدته ووالده.. وغالباً ما تقول لهم ولهن بأن الأشهر الأربعة القادمة ستحمل لكم فرصة سفر أو عمل، وفرصة ارتباط أو زواج أو خطبة..‏‏

لا أعرف كيف نسيت تلك المتنبئة «الأسطورة» أن تخبر من يرسل لها الرسائل أنه عليهم دفع فواتيرهم المائية والكهربائية أيضاً، وأن عليهم أن يضيفوا البصل والثوم إلى طبخاتهم اليومية!‏‏

حتى أنها تنسى مثلاً أن تقول لطلاب البكالوريا: إن عليهم أن يطلبوا من أهاليهم شراء مولدات كهربائية وبطاريات احتياط من أجل الإنارة، وتقضي الأمانة أن نقول: إنها بدأت تجيب طلاب البكالوريا بأنه عليهم الدراسة لينجحوا! نعم هكذا قالت وحق اليانصيب ودواليبه الذي عرفته منذ نعومة أظفاري ولم أربح منه سوى الحسرة والندم والانتظار.‏‏

طبعاً حظّي غير السعيد يجعلني أستمع لها ولغيرها من عرافي هذا الزمن الفوضوي، ومن حسن حظي أنني أعرف أن الحياة لا يمكن ان تعمرها سوى الأعمال والأفعال الحقيقية، وصدقاً ما أستغربه أنها لا تملّ من إعادة نفس الكلام على الجميع، ولكن مع إعادة تدوير كما يفعل بعض المحسوبين على الوسط الصحفي، نفس الكلام لمئات المتصلين وأذكر أنها قالت مرة لشخص بعد أن أعطاها «إحداثيات ولادته» أن لا يرتبط بتلك المرأة التي عرفت أيضاً منه إحداثيات ولادتها، وقالت له: إياك والارتباط بها!‏‏

هكذا تقرر تلك المتنبئة مصير امرأة ورجل من خلال التوافقات الخلبية التي اخترعتها!‏‏

والغريب أيضاً أن لقاءات إعلامية دائمة تستضيف هذه الأسماء العاملة بالتنجيم لنتعرف من خلال كلامهم الخرافي عن مراجعهم، وجدية استثنائية تغلب على حديث المذيع أو المذيعة وهي تحاول مقاربة «عقولهم» الخرافية!‏‏

وثمة من يتساءل: ولم الاستغراب؟ ألسنا في زمن عربي وعالمي هو الخرافة بعينها؟ ألسنا حتى اللحظة نعيد ذات الأجوبة عن زمن تغيّر فيه كل شيء، حتى بتنا كأننا بلا أرض خاضعة لقانون الجاذبية، كأننا بلا قوانين طبيعية أو مادية!‏‏

انظروا إلى الفضائيات والصحف والأسواق والسيارات وتسريحات المذيعات، انظروا إلى رواتبنا وآمالنا وأحلامنا، انظروا إلى شموع الأحلام وهي تتكسر على نصال الغلاء.‏‏

انظروا إلى خرافات المحللين الاستراتيجيين العسكريين والسياسيين، وتنبؤاتهم للبلد والمنطقة والعالم، ألسنا في خرافة كبرى تحكم هذا العالم؟‏‏

أليست هي الرأسمالية المتوحشة وهي تتقيأ البشر على شكل سلع لتعيد تدوير الرأسمال؟‏‏

ألسنا في زمن الأقزام علمياً ودرامياً وسياسياً؟‏‏

ففي العالم العربي بمقدار ما تنافق تصل، وبمقدار ما تتمكن من اللعب على اللغة تصل؟‏‏

لم نستكثر على العرافات في الإذاعات أن يعيدوا تدوير اللغة بما يناسب الوهم والخرافة؟‏‏

لم نستكثر عليهن وعليهم أن يعيشوا من جهل مستمعيهم؟‏‏

ولكي لا نبقى في الحزن نروي التالي: «عرّف أحد الصحفيين الشيوعية والنازية والرأسمالية بقوله: الشيوعية: إذا كنت تملك بقرتين، فعليك أن تعطيهما للحكومة فتعطيك بعض اللبن.‏‏

ـ النازية: إذا كنت تملك بقرتين، فإن الحكومة ترميك بالنار، وتحتفظ بهما.‏‏

ـ الرأسمالية: إذا كنت تملك بقرتين، فإنك تبيع إحداهما، وتشتري ثوراً.»‏‏

ترى ما رأي المتنبئات بهذه التعريفات؟‏‏

أما أنا فأحمد الله أنني لا أملك بقراً ولا أحسن تعريف الايديولوجيات «فالقناعة كنز لايفنى» حسب رأي M3alouche@hotmail.com ">الماغوط.‏‏

M3alouche@hotmail.com ‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية