تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العد التنازلي لانسحاب أميركا من قيادة العالم

شؤون سياسية
الثلاثاء 16-10-2012
د. رحيم هادي الشمخي*

بدأ العد التنازلي لسقوط الولايات المتحدة الأمريكية يأخذ مساره الحتمي في خضم التطورات التي تشهدها مناطق العالم المضطربة والمشتعلة بوقود الزيت الذي تصبه هذه الدولة على نفسها وعلى العالم

لهياجها الوحشي وعدم احترامها للقانون الدولي وأبسط حقوق الإنسان في العالم، وتأتي أسباب عوامل سقوط أمريكا ومن معها من الأوروبيين من استخدام هذا الطاغوت والثور الأهوج (القوة المفرطة) ضد الشعوب المحبة للسلام بما فيها الشعوب العربية وتنصيب حكام جدد موالين لها، دون موافقة هذه الشعوب، أضف إلى ذلك ما خسرته الولايات المتحدة الأمريكية من معدات عسكرية وجنود وأموال في الحرب الدائرة الآن في أفغانستان وبعدها غزو العراق العربي، وخروج أمريكا مرغمة بفعل الضربات الموجعة للمقاومة العراقية الباسلة.‏

ثم احتلال ليبيا أرضاً وشعباً إلى جانب مشاركة حلف الأطلسي وغير ذلك من تزويد إسرائيل بالسلاح والمال والدفاع عنها في مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فقدت مصداقيتها أمام الشعب العربي ، فهي تسعى جاهدة مع إسرائيل اللقيطة إلى تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يستهدف السيطرة الكاملة على المنطقة العربية وتحويلها بالكامل إلى منطقة نفوذ أمريكي لتكريس الهيمنة وتحقيق الحلم الأمريكي، وكما تم هزيمة أمريكا أمام الشعب الفيتنامي وقواه الوطنية سابقاً، وانفصل عنها الشعب الكوبي بقيادة كاسترو، واستهجنت حكمها فنزويلا التي لعبت دوراً في مجابهة الطغيان الأمريكي فإن نهايتها ستكون هذه المرة أمام صمود الشعب العربي السوري الذي يقف صامداً في ساح الوغى لإسقاط مؤامرة أمريكا وإسرائيل وعرب الجنسية من أمثال حكام السعودية وقطر ومرسي وأردوغان وأبو شاقور.‏

إن المنطقة العربية اليوم أمام ثلاثة استحقاقات على الأقل تستوجب حصول تغيير فعلي في طريقة التعاطي العربي مع القضايا الأساسية المطروحة في المنطقة وعليها فهناك موجبات التركيز على الإعلام العربي القوي الذي يحقق أهداف الأمة العربية بالتصدي للمشروع الاستيطاني الصهيوني، وإخماد مراكز القوى الإعلامية التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية في مناطق عدة من العالم، وكان الهدف منها القضاء بآليات متعددة على الحس القومي العربي، وسلب الهوية القومية، والتاريخ العربي والإبداع العربي من المحيط إلى الخليج العربي، وهذا ما استخدمته أمريكا عند احتلالها للعراق عام 2003، حيث زادت من مراكزها الإعلامية لتشويه صورة الجندي العربي العراقي في معارك ميدانية مختلفة، أما الاختيار الثاني الذي لابد للعرب من العمل به. فهو وضع سياسات وطنية وقومية تسهم في وقف المد السياسي الأمريكي - الصهيوني والغربي في المنطقة العربية والتي استحوذت هذه السياسات على أكثر المنظمات والمنافذ السياسية في الأقطار العربية بحجة مساعدة تلك الأقطار بالحصول على اتفاقات من شأنها تنمية الأطر الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية على ضوء الخارطة السياسية التي أعدتها أوروبا لمد الجسور مع الأقطار العربية في العلم والتكنولوجيا والتسليح، والتدريب مع التركيز على الآلة الإعلامية لاستعمار الشعوب وسلب خيراتها. ولابد للخيار الثالث من تحليل واستباقية لمعرفة تأثيره المطلق على المنطقة العربية فالسلام مع «إسرائيل» لم يعد موفقاً ولا مهيأ في هذه الظروف نظراً لدور «إسرائيل» العدواني، وكذبها على العرب، بل وتمثلها للأطفال والنساء، والشيوخ في مذابح مروعة وجرائم حرب ضد الإنسانية.‏

وهكذا فإن انتظار الحلول من الخارج لم يعد عملياً، عملة قابلة للتداول في النظام العالمي الجديد للعولمة ومشتقاتها الاقتصادية والعسكرية وحتى الثقافية فلو أخذنا حالة الأمريكيين الآن نكتشف بسرعة أن المنطقة لم تعد تهمهم إلا انتخابياً، أما عدا ذلك فالأمريكان مشغولون كثيراً بقوة روسيا حاملة المفاتيح النووية كما إنهم يركزون أكثر على الأوروبيين خوفاً من أن يشقوا عصا الطاعة على واشنطن ليتجهوا إلى اليابان مثلاً أو حتى إلى كوريا الجنوبية وغيرها من النمور الآسيوية وطالما إن خيرات منطقتنا تحسب في الصناديق الأمريكية بشكل أو بآخر، فليس هناك من موجب في نظر الأمريكيين لتغيير سياستهم في التعامل مع المنطقة إلا ضمن هذا الاتجاه وليس ذلك فقط بل في التآمر عليها بما يسمى بعوامل التغيير في الوطن العربي والتدخل في شؤونها الداخلية خدمة لـ «إسرائيل» والصهيونية العالمية، فالمؤامرة الكبرى التي تديرها أكثر دوائر المال إجراماً ووحشية على سورية العربية سوف تواجه بإرادة الشعب العربي السوري، لأن سورية هي قلب العروبة والمواجهة بين دعاة التغيير الحقيقيين قد بدأت ولن تنتهي مع الذين لايعرفون حقيقة تاريخ سورية، ونضال شعبها وجيشها العظيم، فهي مؤامرة ليس على سورية وحدها بل على لبنان والعراق وفلسطين وعلى الجولان وعلى كل شبر من أرض العرب فكل خيوط هذه المؤامرة ما زالت تخرج من المطبخ الأمريكي الصهيوني وعملاء المنطقة من آل سعود وقطر وعرب الجنسية الذين لم يرق لهم حقيقة أن شعب سورية ومعه كل الشعب العربي في فيلق واحد.‏

السؤال هنا هل تجاوزت الأزمة التي تعانيها الأمة العربية دائرة البدائل أم أن الأزمة بلغت درجة من الجدية والتعقيد، جعلت البدائل التي تدخل في دائرة الإمكان المتطور غير كافية أو غير صالحة للخلاص؟ لكن ما يولد في الفكر والنفس الأمل والثقة هو أن الأمة العربية المجيدة أثبتت عام 1973 على سفوح الجولان، وربوع سيناء، وعند منابع النفط كفاءة عالية واقتداراً شكلاًرسالة من الحاضر إلى المستقبل مغزاها أن العرب قادرون على الدفاع عن مصائرهم، وعلى التفكير والتدبير لمستقبلهم وصد الهجمة الأمريكية لأن المنطقة العربية بين أمرين إما التصدي للمؤامرة أو تكون ضحية السياسة والإعلام الأمريكي الغربي، مثلما حدث في العراق وليبيا وما يحدث الآن في سورية من مؤامرة شرسة سوف يقبرها الشعب العربي السوري في مهدها، لأن هدفها إسقاط المشروع القومي العربي الذي تقوده سورية لوحدها في القرن الواحد والعشرين.‏

ويبقى السؤال الآخر ما هو مستقبل العرب في ظل ضياع الهوية العربية الموحدة في هذا الزمن العربي الرديء... سؤال فيه أكثر من جواب؟‏

 أكاديمي وكاتب عراقي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية