تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الإرهاب التكفيري وسر الصمود السوري

شؤون سياسية
الثلاثاء 27-8-2013
حسن حسن

ظاهرة التطرف والتكفير ليست مستجدة في المنطقة العربية والعالم الإسلامي وهي ليست سوى تعبير مكثف عن مجموعة من العناصر والمؤثرات التي ينبغي التبصر في فعلها وحركتها بمنهجية علمية وتاريخية :

أولاً : شجعت السياسة الأميركية في المنطقة نشوء قوى وحركات ومعاهد تعليمية ومؤسسات اعلامية وثقافية تحت العنوان الإسلامي خلال الحرب الباردة ، و جعلت مكافحة الشيوعية اطاراً لمطاردة نفوذ الاتحاد السوفييتي، ومنع انتشار حركات التحرر القومي والوطني من خلال الستار الديني الذي استعمل لتكفير اليسار القومي والماركسي وصولاً إلى تكفير كل مشروع تحرري في المنطقة من باب تحالفه مع الاتحاد السوفييتي أي الشيوعية في أدبيات اليمين المحافظ الذي قاوم المد الناصري والبعثي بهذه اليافطة. وقد شكلت حرب أفغانستان في السبعينات من القرن الماضي مناسبة لتسييل القوى الاجتماعية التي راكمتها هذه التعبئة، وفرصة لتجنيد الطلاب والشباب الإسلامي الساخط بدوافع ولدتها أزمات الأنظمة التابعة للهيمنة الأميركية في المنطقة تحت عنوان الجهاد ضد الشيوعية في أفغانستان .‏

ثانياً: تجربة أفغانستان كانت مجالاً لحل معضلتين دفعة واحدة بالنسبة للولايات المتحدة والمعسكر الأميركي الدولي :‏

1- تكوين قوة شعبية تخوض حرب عصابات وتعوض صعوبة التدخل العسكري المباشر ضد الجيش السوفييتي عبر آلاف المقاتلين الذين حشدوا بتضافر جهود الأنظمة الموالية للغرب في التمويل والتدريب والتنظيم كالسعودية وباكستان والأردن ومصر .‏

2- تفريغ الشحنات الهجومية والطاقات الكامنة عند الشباب الإسلامي الساخط خارج بلدانهم بحيث يكون استثمار تلك الطاقات في الخارج حماية للأنظمة القائمة من تفجر السخط عبر تحويله وتصديره يمكن استخدامها عبر شبكات التمويل والتدريب المرتبطة بشراكات مخابراتية متعددة بقيادة الولايات المتحدة.‏

ثالثاً- شكل انتصار الثورة الإسلامية في ايران منطلقاً لحركة فكرية سياسية اسلامية تحررية عنوانها المركزي التحرر الوطني ، وهذا ما شكل أحد حوافز استهدافها ونصب السدود في وجه اشعاعها مرة بالتناقض القومي الذي استخدمه تحالف رعته الولايات المتحدة ومولته حكومات عربية خليجية . ومرة أخرى بالفتنة المذهبية . لكن تلك الغشاوات لم تفلح في صد سورية عن التعامل مع ايران الفتية كقوة حليفة في خيار التحرر الوطني ولمجابهة العدوانية الإسرائيلية وذلك لب القضية .‏

رابعاً: بعد انهيار الاتحاد السوفييتي فقدت هذه المنظومة سندها الرئيسي حيث إن الشيوعية لم تعدمجسدة في الواقع الدولي يمكن التحشيد ضدها وبالتالي فهذا البعد التعبوي لم يعد صالحاً للاستخدام . وبينما ارتد التطور الأفغاني اللاحق بالآلاف نحو بلدانهم وإلى مشاكلهم الوطنية والاجتماعية الأصلية مع الهيمنة الأميركية - الإسرائيلية والظلم الاجتماعي في بلدانهم أدى اختلاف المصالح حول مشاريع الأنابيب العملاقة بين طالبان والولايات المتحدة وشركائها العرب إلى انقسام سياسي خطر داخل هذا المعسكر ، وهو ما شرع بالظهور في أواخر تسعينيات القرن الماضي وتتمته المعروفة وصولاً إلى أحداث أيلول 2001 وماتلاها.‏

خامساً : يتبين بالتجربة التاريخية أن الأنظمة الدائرة في الفلك الأميركي والتي التحقت بمشروع الإدارة الأميركية المبني على هيمنة «اسرائيل» في المنطقة منذ احتلال العراق. تلك الأنظمة عاجزة كلياً عن معالجة ظواهر التطرف التي رعتها في العقود الماضية ومن ثم استخدمتها، وهي ترتد عليها في العديد من الحالات والتحايل على هذا العجز يقود تلك الأنظمة اليوم من جديد إلى تبني فكرة تصدير التطرف عبر اعادة استخدام الشبكات التكفيرية أو بعض أجنحتها في مخططاتها.‏

سادساً: كل هذا يثبت بأن هذه القوى وعلى رأسها أميركا والرجعية العربية مصممة على تقسيم سورية إلى طوائف ، لتحقيق أمن وسلام «اسرائيل» ولتوجيه الأنظار عن العدو الحقيقي ، وتغيير ماهية الصراع مع العدو الإسرائيلي ، ومحاولة اختراع عدو آخر وتجاهل كل ما يحدث في فلسطين المحتلة من تعديات وتهويد لكل المقدسات الإسلامية والمسيحية ، واظهار ديمقراطية «اسرائيل» المزعومة .‏

والكل يعلم بأن القوى المتآمرة على سورية لها اليد الكبرى فيما حدث ويحدث في المنطقة العربية ، لقد ضربوا العراق ودمروا قوتها العسكرية وقسموا السودان لتشتيت القوة النفطية الجديدة فيها ،وهدموا ليبيا وتركوها لصراعات قبلية ومدنية ، ولعبوا لعبتهم في مصر وجعلوها تتخبط بهستيريا السياسات الحزبية ، وأشعلوا نار حرب ضروس في اليمن ضد (القاعدة) فيها ، ولم يبق أمامهم سوى سورية فشنوا هذه الحملة المحمومة عليها وعلى شعبها ، وكل هذا للقضاء على كل من يقف في طريقهم ويمنعهم من تنفيذ أهدافهم وخاصة للقضاء على الخط القومي والفكر العروبي وضرب النموذج التنموي والحضاري في سورية والأمان الذي كان فيها، والذي لا مثيل له في العالم .‏

إن الخطاب السوري بكل أطيافه معروف لدى الجميع بأنه خطاب تآلف ومحبة ، وآلية تعامله عدم التمييز بين طائفة وأخرى ، وفوجئ أعداء سورية بوعي الشعب السوري رغم النسبة الضئيلة المغرر بها ، هذا الشعب الذي بات يدرك بأن وطنه في سياق معركة طويلة ، أهدافها متعددة وعناصرها مركبة ، فسورية الطرف الأول ، وكل من يقف ضدها الطرف الآخر ، وبأنها تدير معركة على جبهات متعددة ، وأن لا مكان للون الرمادي في قضية الوطن ، بل هناك الأبيض أو الأسود، فإما مع الخير أو مع الشر ، فما نفع بيت أو وطن لا أمن فيه ، لذلك الجميع اليوم يقف في مكانه يحمي وطنه ، ويساند بكل امكانياته كل مؤسساته وحكومته ودولته‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية