تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في عمق الصراع.. عناوين ومسارات أعمق من المتداول والمألوف

شؤون سياسية
الثلاثاء 27-8-2013
بقلم: د. أحمد الحاج علي

سوف تبقى العناوين الدائمة في التداول لاتبديل لها ولاتعديل فيها لأنها بالمحصلة تساوي الواقع القائم بما فيه من منطلقات وأحداث ونتائج واحتمالات،

ومن العناوين الكبرى الثابتة أن الصراع القائم في سورية وعليها إنما يرتبط بهدف عميق هو تدمير الوطن السوري وليس مجرد تخريب الوطن أو إسقاط النظام أو تبديل الحقائق.‏

الآن المطلوب هو أن تجتث سورية العربية من قيمها إلى إنسانها ومن تاريخها إلى مواقفها ومن ذاكرة الحضارة والبناء والشهداء إلى مواسم الإشعاع على العالم كله، إن التدمير قائم على هذه الأبعاد لأن القوى المعادية كلها أدركت أن الخطر عليها قائم من طبيعة تكوينها وليس من مجرد مزاياها الثابتة والمتحركة على أهمية هذه المزايا، ومن العناوين الكبرى التي لاتقبل الدحض والمساومة هو أن الحرب على سورية هذه المرة كونية غير مسبوقة إذا ماأخذنا بعين الاعتبار حجم القوى التي تصطف علينا ومستوى وكمية الأسلحة المادية والفكرية التي تدار بها المعارك على سورية.‏

ومن العناوين الثابتة أيضاً أن سورية تواجه بمجمل عناصر وجودها البشرية والقيمية والمادية والروحية، وهناك عناوين كثيرة وخطيرة لامجال لذكرها الآن ولكن علينا أن نحيط الصراع الدائر باحتمالاته ومخارجه التي لايرقى إليها الشك، فهذا الصراع على سورية حضاري إنساني مصيري، أي أن حضارة الإنسان التي لبت حاجاته وطموحاته تستهدف الآن، يعرف كل إنسان في هذا الوجود أن الوطن السوري صاحب مقام وامتياز في بناء حضارة البشر قديمها وحديثها، أما كون الصراع إنسانياً فذلك يعني أن مصير البشر في كل أنحاء الكرة الأرضية هو مهدد بالتحريف أو التبديد.‏

ومن رسالات السماء إلى ثقافة البناء والتفاعل إلى منجزات العقل والعلم والأخلاق، كل هذه المواد الإنسانية مهددة بالتدمير أو التغيير، وللمرة الأولى في تاريخ البشر يستقطب هذا الهدف الشيطاني أمماً وكيانات سياسية تدعي الحضارة والديمقراطية والتطور مثل أمم الغرب الأوروبي والأميركي مع كيانات سياسية لاأصل لها إلا على قدر همجيتها مثل تركيا أردوغان ولامعنى لها إلا على قدر جنونها مثل آل ثاني ولاخجل في وجودها وهي تتحول من مستعمر لآخر وتوظف الدين والمال ضد العروبة والإسلام وحضارة البشر وفي أصول هذا الاستقطاب المتناقض تقع التنظيمات والمجموعات الإرهابية والتي تدعي الإسلام لكي تقتل الإسلام، هذا الاستقطاب في القوى والوسائل حالة من التوافق أساسها الشر والحقد والغريزة لذلك امتدت خيمة هذا الاستقطاب من البنتاغون الأميركي إلى البيوت المسكونة بالظلام والخساسة حتى وإن كانت في غوطة دمشق أو في درعا أو في شمال اللاذقية أو في حلب وإدلب ، هناك خيمة شيطانية وجدت متسعاً لأوباما ووجدت متسعاً لبندر ووجدت متسعاً لمن خان دينه ووطنه وشعبه في الداخل السوري، وكم هي قاسية هذه اللحظة أن يقتلنا عدو وافد أو سوري حاقد، والصراع مصيري أي أنه لم يعد هناك فسحة في الزمان أو في الوقائع تسمح بالاختلاط في الرؤيةأو بالحلول التوفيقية أو بالاستسلام ذي الكلفة العالية .....‏

لقد صار الصراع هو مابين الوجود والفناء، مابين الحياة والموت ولاخيار آخر، هذه طبيعتهم وهذه مشاريعهم ومن الطرف الآخر من المعادلة هذه قيمنا السورية وهؤلاء شهداؤنا العظام وهنا يقع مصيرنا الذي ينبعث حينما تموت قوى الشر بأرضنا وعند الآخرين ومن هنا نلتقط هذه الصياغة من القوى المعادية في أدائها العسكري والسياسي حيث لاحدود عندهم للقتل والتدمير لابكمية الضحايا ولابطريقة ذبح البشر، تماماً كما أنهم في المجال السياسي والإعلامي خداعون مزورون والعهر عندهم في هذا المجال طريقة مبسطة لتزوير الحقائق وقلب الوقائع وإطلاق شهوة الافتراس على سورية وماتعنيه سورية، ولنأخذ ثلاثة أمثلة في هذا السياق، فهناك على طول الحدود مع العدو الصهيوني يخرج إرهابيون ليقتلوا حراس هذه الحدود بدءاً من القنيطرة امتداداً إلى سحم الجولان ونوى وتسيل والشجرة، من يصدق أن مواطناً سورياً من درعا أو من القنيطرة يقوم بهذا الفعل الخسيس، هل سأل هذا الخسيس أباه وجده وعمه وخاله عن وجود مثل هذه الظاهرة أعني قتل حماة الوطن على هذه الحدود قبل هذه الأيام.‏

كان أبناء هذه المنطقة جيشاً شعبياً يرفد الجيش النظامي ويردفه، كان جيل الآباء والأجداد شهداء فكيف خرج من أصلابهم من يقتل الجندي السوري البسيط نيابة عن اليهود، أمرٌ مؤلم يعصف بالدماغ والوجدان ويجعلنا نقول هذه من علامات يوم الساعة، ومثل آخر حينما تداهم هذه القطعان الهمجية الهائجة شمال اللاذقية في ريفها ومدنها وتعمل قتلاً واستباحة وتدميراً في مسعى نذل يطلقون منه غرائزهم ويتطلعون من خلاله لاستنهاض فتنةً الطائفة والمذهب في وطن كانت فيه الطائفة والمذهب معاً مرصداً حضارياً ومنطلقاً لسمو إنساني بني في أصله الوطن السوري والحضارة السورية، أليس الأمر بمستوى الغثيان والجنون أن يلتحق نفرٌ بفيلق الأجنبي وسياسة الاغتصاب بأي دافع من الدوافع، ألا يتذكر هؤلاء أن هذه المنطقة هي التي أنتجت صالح العلي وعزالدين القسام وابراهيم هنانو وكل العظماء المجاهدين في الحفة وصلنفة وصولاً إلى كسب شمالاً، فأي تفكير دفعهم إلى ذلك وأي شيطان زين لهم ذلك؟ الاجابة طويلة وعميقة وسوف يتسع لها تاريخ قادم على مدى مئات السنين، ومثل ثالث يتصل بهذه النزعة المحمومة في أن تحصل قوى الإرهاب من خلال الأعراب والأغراب على المواد الكيماوية ثم تحولها إلى سلاح عشوائي يلقى على البشر من دون تبصر ومن دون إحساس بهول الكارثة، لقد فعلوها في خان العسل وحينما جاءت لحظة إلقاء القبض على من نفذ تلك الجريمة الكيميائية استمرت نزعتهم في الفعل الإرهابي في غوطة دمشق الشرقية، أطلقوا السلاح الكيميائي الأعمى وقتلوا مئات الأطفال والنساء والشيوخ وكل ظنهم أنهم يفتعلون مبرراً كافياً لكي تقوم الطائرات الأميركية وصواريخ الناتو لتدمير الوطن السوري في مساء اليوم الثاني، إنهم جبناء ومهزومون ولم يتبق في جعبهم العفنة إلا الأسلحة المسمومة والأدوات العمياء الضالة، إن قصة الأيام الأخيرة في الغوطة تأخذ بالصراع بين إرادتين إلى حد التناقض النهائي فما عادت الحياة تحتمل وجودين نقيضين على أرض وطنية طاهرة ومن هنا سارعوا إلى هذه السموم لعلهم يرهبون المواطن السوري ولكن الحاقد حينما يفكر ويتصرف يكون بصره قد انتهى وتكون بصيرته قد تعطلت عن العمل.. ...‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية