تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المعضلة الأفغانية.. البحث عن حلول ومخارج

شؤون سياسية
الأحد 14-3-2010م
حسن حسن

يقول الجنرال ديفيد بترايوس، مكرراً ادعاءات أوباما وبراون، إن حرب أفعانستان هي حرب ضرورة، وإن هدفها تجنب العمليات الإرهابية انطلاقاً من تلك البلاد. لكن هذه المبررات زائفة كلياً.

الكاتب البريطاني تشارلز فيرنديل، كان على حق بالطبع، عندما كتب في «الغارديان» يقول: قوات حلف الأطلسي تقتل اليوم عشرات آلاف الأفغان، بذريعة حماية أرواح عشرات الغربيين الذين «قد» يقتلون غداً أو بعد عشرين سنة على يد إرهابيين يفترض أنهم يخططون لهجماتهم في أفغانستان، لكن، هل التخطيط في عصر الانترنت والهاتف الخليوي والنقل الجوي السريع يجعل المرء في حاجة إلى اللجوء إلى الجبال كالنساك أو الرهبان للقيام بالمهمة؟ أليست «السي. آي. إيه» (التي تتعرض الآن إلى المساءلة في أمريكا حول ممارساتها التعذيبية) هي التي أقامت مدارس التدريب الجوي في فلوريدا التي تخرج فيها منقذو عملية 11 أيلول؟!‏

ثم: حرب الضرورة هذه تخاض ضد من؟ الأطلسيون يقولون إنها ضد تنظيم ( طالبان) الذي يعيش من وراء زراعة الأفيون، ويمنح «القاعدة» الملاذ الآمن، لكن هذا أيضاً تبرير واهِ. إذ ليس هناك في الواقع تنظيم طالباني واحد، بل 14 تنظيماً مختلفاً يحمل الاسم نفسه، من دون أن تتوفر لها هيكلية تنظيمية مركزية واحدة. كل ما يجمعنا هو العداء للاحتلال الأجنبي ولحكومة قرضاي التابعة له.‏

أما زراعة الأفيون، فحديث ذو شجون في أفغانستان ، إذ بعد أن شهدت المنظمات التابعة للأمم المتحدة بخلو أفغانستان من المخدرات أيام حكم طالبان، قفزت هذا العام إلى كونها المصدر الرئيسي للعالم وبنسبة 90 في المئة من الإنتاج العالمي.‏

لقد أثبتت سياسة زيادة القوات فشلها لجملة أسباب أهمها:‏

1- التركيز على عمليات واسعة لإعادة السيطرة على مناطق نفوذ طالبان وإحراز مكاسب ميدانية مؤقتة، ثم الانسحاب منها، وتركها لقوات أفغانية ضعيفة التدريب والتجهيزات ولا تقوى على الحفاظ على تلك المكاسب.‏

2- الاستمرار في الاعتماد على النيران الكثيفة، والاستخدام المفرط للسلاح والقصف الجوي لإحراز تقدم عسكري، ما يزيد من عدد الضحايا المدنيين، ويصنع أعداء جدداً لوجود الأجنبي مع سقوط كل ضحية جديدة.‏

3- الخوف من الانزلاق إلى حرب استنزاف طويلة يدفع واشنطن ودول الناتو إلى التفكير الجاد في البحث عن «خروج منتصر».‏

وبالنظرة البسيطة إلى الميدان، فإنه من الصعب أن تساعد الزيادة الجنود، حتى ولو وصلت إلى 40 ألف جندي في أفضل الأحوال، على كسب الحرب عسكرياً نظراً لاتساع رقعة انتشار قوات طالبان في معظم المناطق الشرقية والجنوبية وبعض المناطق الأخرى في الغرب والشمال والوسط، و لاتساع نفوذ طالبان وبقية مجموعة القوات المسلحة الأفغانية بسبب سياسات واشنطن وحلفائها.‏

والحديث عن تقوية الجيش والشرطة في ظل حكومة ضعيفة يعتبر مغامرة ، فالجيوش وقوات الأمن تحتاج إلى عقيدة قتالية قوية قبل التدريب والتجهيز والتمويل ، وهو مايبدو من الصعب توفيره في ظل الفوضى السياسية التي يعيشها النظام الحالي في كابول.‏

الحديث يدور أحياناً عن إعادة المجاهدين السابقين إلى المؤسسات الأمنية ممن لهم خبرة في القتال ضد السوفييت، وكذلك ممن قاتلوا حركة طالبان خلال سنوات حكمها في أفغانستان كجزء من مشروع «أفغنة الحرب» بدل الاستثمار الخاسر على عناصر جديدة تفتقد الخبرة والدافعية في القتال ضد طالبان، وهو ما ظهر جلياً في تصريحات وزير الدفاع الأفغاني السابق محمد قسم فهيم.‏

وتشكل المهمة الثالثة عبئاً على عاتق واشنطن والناتو، فمن الصعب إدخال القوى الإقليمية المؤثرة في اللعبة الأفغانية وإيجاد حالة من التوازن الاستراتيجي بين مصالحها .‏

وذلك لكثرة اللاعبين وشدة التنافس بينهم، حيث يشكل مثلاً الصراع الهندي الباكستاني أحد أبرز التعقيدات الإقليمية التي تؤثر على أفغانستان مباشرة .‏

وبكلام أخير، يمكن القول : إن الوضع الأفغاني المتأزم، يحتاج إلى جملة من القرارات الصعبة التي يشارك فيها جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين، فضلاً عن اللاعبين المحليين، من أجل إعادة أفغانستان إلى الاستقرار و بناء دولة قوية ومسؤولة تستجيب لتطلعات الشعب الأفغاني، وكثافة النار كما زيادة عدد القوات ، لن تقود إلى مثل هذا الحل .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية