تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قراءة الطالع بين المعرفة والتغييب

مجتمع
الأحد 14-3-2010م
وصال سلوم

التاريخ الإنساني حافل في البحث عن المعنى في طيات المستقبل القريب والبعيد، تعددت الوسائل واختلفت المقاربات

إلا أن الهدف الأساسي هو البحث عما يخبئه المستقبل من أحداث للأفراد والجماعات ، حضارات اعتمدت بشكل أساسي على قراءة مستقبلها عبر التأويلات ، وأشهرها الحضارة الفرعونية التي أوجدت لكهنتها ولعرافيها مكانة خاصة تماما كما المثقفون في عصرنا الحاضر ، وأعطتهم أهمية وثقة في معرفة وتبيان حقيقة ومجريات الأحداث في المستقبل ، جميعنا يعرف حكاية سيدنا يوسف عليه السلام في تأويل المنامات ، حيث قدم رؤية تفسر حلم الملك الحاكم ، وأشار لهم بما سيحدث لمستقبل مصر .‏

هذه الحادثة ليست الوحيدة وإنما هي جزء من مسار عام رافق مسيرة الحضارات الإنسانية ، فالكائن البشري بطبعه مسكون بأسئلة المستقبل وهواجسها، حتى العلم الحديث قائم على الإجابة ولو بشكل تقديري على ما سيحدث في المستقبل، ففي الغيب كما في العلم وفي أحاديث الناس ، تنبؤات وتأويلات لا تنتهي ، إشارتنا هنا للمختصين والواعين بدورهم في ربط مصير الإنسان ومستقبله بحركة الأبراج وعلاقتها ببعضها البعض ، هؤلاء بالتحديد يمتلكون لغة خاصة سلسة المفردات تفسر المستقبل برؤى جمالية حتى لو كان هذا التفسير في أسوأ حالاته تفسيراً كارثياً‏

فمهمتهم تقوم على تقديم تصور لمستقبل الأفراد والجماعات انطلاقاً من قراءة العموميات ودخولاً في التفاصيل المرتبطة ارتباطاً عضوياً في تلك العموميات، وتبدأ هذه القراءة من حاجة الأفراد والجماعات لمعرفة ما ستؤول إليه أمورهم في المستقبل ، فهذه العملية التي تجري بين من يريد معرفة مستقبله وما بين قارئ المستقبل تبدأ من حاجة المتلقي وتنتهي «باستبسال» القارئ عبر لغة رمزية حمالة أوجه، تفتح على المستقبل بعد أن تكون قد حفرت في الماضي واستقرت في الحاضر، فكل ما يعني المتلقي هو جوعه الكبير لمعرفة مستقبله وغيّب عنه أن قارئ المستقبل والذي يعتمد على حركة الأبراج لا يستطيع أن يثبت علمياً السببية ما بين الأبراج والبشر ، حدسه وفراسته هما الكفيلان بإداراك هذه المعضلة والقفز عنها لتقديم تلك الإجابات بالإضافة إلى أن المتلقي معد نفسيا لتشرب ما يسقط عليه من تأويلات وتفسيرات .‏

قراءة الغيب بكل وسائله وتقنياته وأبعاده قراءة لاتزال مفتوحة على تأويلات كثيرة والأسباب متعددة ، فمصادر تلك القراءة تختلف من شخص إلى آخر وتختلف الوسائل أيضاً وتختلف الأساليب ، ويبقى الحاضر الوحيد والضحية المستنزفة «المستقبل»‏

جميعنا بشكل أو بآخر ، قرأ في الجريدة برجه أو استمع إليه في المذياع أو انتظره أمام شاشة التلفاز ، لكن الإجابات وعبر سنوات طويلة لم تقدم له حلولا لمستقبله الذي أصبح حاضراً أو من الماضي ، ومعظمنا أيضاً على سبيل الجدية أو التسلية عرض يده لقارئ كف ، ليقرأ فيها خطوط الطول والعرض ويتمتم ويطلق بعض التعبيرات التي قد تصيب أحياناً وقد تخطئ كثيراً ، كل هذه الأمثلة إذا ما دققنا فيها بشكل جيد وقمنا بقراءتها بمفعول رجعي سنجد أن المستقبل كان دائماً يخبئ في أحشائه المفاجآت على أنواعها .‏

نحن هنا لسنا أمام حالة نفي أو تأكيد، فالظاهرة كبيرة ومنتشرة انتشار النار في الهشيم ، وما يمكن أن نؤكده أن هدف العلم في المستقبل ، هو زراعة الأمل في داخلنا.‏

فقارئ الطالع هو المزارع الفذ الذي يحفظ مهنته عن ظهر قلب بعد ان يحمل عبء المغامرة بادعاء معرفة المستقبل .‏

نعم انه يمتلك مواصفات مختلفة عنا نوعا ما تؤهله لكي يلعب هذا الدور ، وكأننا أمام سؤال كبير من يقرأ له طالعه ومن ينير له الطريق ؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية