|
معاً على الطريق أن يحشد للصالات التي عرض فيها جمهوراً شغوفاً مخلصاً مختلفاً ، أو بالأحرى خاصاً، ولذلك ينشد الاقتراحات المتفردة ، يتحمس لها ويشجعها. صالات امتلأت ليس فقط لآخر كرسي، بل لأخر نصف متر من حائط يمكن لشاب أن يسند له ظهره المتعب من يوم دراسة أو عمل طويل، لكنه مع ذلك لم يضحَّ بفرصة مشاهدة فيلم تسجيلي ولو وقوفاً، طالما أنه وجد مايسنده ويسانده. لهذا الحشد أسباب عدة تفسره ، وفي مقدمتها الحقيقة التي تأتينا عبر مرايا الفن ، مرايا تعكس مافي دواخلنا ، وتنقل مانجهله ، وربما نتجاهله. بدورها استطاعت الأفلام السورية المشاركة أن تقتحم مناطق مهملةً ، مجهولةً وأحياناً مرفوضةً، مثل أطفال الشوارع في (الحجر الأسود) لنضال دبس وخالد خليفة ، وأحياء الصفيح في (نور الهدى) للينا العبد ، وظلم المرأة عبر نماذج من منطقة الجزيرة في فيلم(كلام حريم) لعدنان عودة وسامر برقاوي. حتى فيلم نضال حسن (جبال الصوان) ، ورغم أنه لايشاكس أو يصدم أو ينكأ جروحاً ، إلا أن شخصياته تدل على حب مظلل وبحث مضن مكن المخرج من العثور على شخصياته(الزورباوية) المبدعة بالفطرة والمتماهية إلى درجة الذوبان مع أحراش بدائية فاستطاع تمشيط أغصانها وتفريق فروعها ليدلنا على الجمال المتواري خلفها. قوة هذه الأفلام في اصطيادها شخصيات ولحظات وحالات استثنائية ،لكنها واقعية وحقيقية ، ما أضفى عليها نكهة طزاجة نجت بها من شروط الفن الصارمة والرفيعة ، بدءاً من ضبط الإيقاع، إلى سلاسة المونتاج ، إلى توزيع الإضاءة بما يخدم الفكرة ولايغبن الشخصيات ، فلا تلتصق بها كقدر محتوم صفة الكومبارس الغائمي الملامح في الحياة ومن ثم في الأفلام التي صنعت عن هذه النماذج. الواقع خطوة كما أن الواقعية درجة قد تعلو بالعمل ، وقد تسمو به، لكنه نوع يشرعن البداية ولايضمن الاستمرار. الفن ليس انعكاسا حرفياً للواقع، لابد للفن الرفيع أن يعلو على الواقع ولو استلهم منه. في لعبة المرايا لايكفي أن ننقل مايجري ، لا بد من إعادة تشكيل العناصر المنعكسة عليها. |
|