تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الاتفاق التركي - البرازيلي - الإيراني.. محاولة لنزع فتيل الأزمة

شؤون سياسية
الأربعاء 26-5-2010م
علي سواحة

هل نجحت إيران والوسيطان البرازيل وتركيا بسحب السجادة من تحت قدمي أميركا وإسرائيل عبر الاتفاق الذي تم التوصل إليه لتبادل اليورانيوم وهو ما اعتبره المراقبون أنه الاتفاق الأول من نوعه

الذي أدخل مفاهيم جديدة على اتفاقية فيينا المعنية بالشأن النووي بما أفقدها الكثير من سطوة الغير عليها والتي تسلحت به واشنطن وحليفها الإسرائيلي لتعطيل البرنامج النووي الإيراني لمدة عام يكون الغرب قد تمكن خلال هذه الفترة عن التقاط أنفاسه لجولة أخرى مع طهران.‏

الاتفاق الجديد أثار بلا شك موجة قلق وعدم رضا من قبل واشنطن وإسرائيل على وجه الخصوص ذلك لأنه أبقى على 1200 كيلو غرام من اليورانيوم المخصب لإيران حسب الاتفاق مع زيادة حاصلة في هذا المخزون لمئات الكيلو غرامات دون إخراجها من إيران وهو ماكانت ترمي وتعمل من أجله الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب أو إبقائها لدى طرف ثالث كأمانة.‏

الاتفاق الثلاثي فرض نفسه بقوة كوسيط دولي جديد بين طهران والغرب عبر تركيا والبرازيل خلافاً لما كان يجري في السابق من حوار مباشر بين طهران والغرب، بمعنى أن طهران بموجب الاتفاق الجديد وسعت من دائرة الأطراف النزيهين لنزع فتيل الأزمات كما أضافت إليهما دوراً جديداً للوكالة الدولية للطاقة الذرية بكامل أعضائها ليكون لهم منحى آخر في إقرار الحقوق لأصحابها بعيداً عن ضغوطات فيتو الدول الكبرى.. وهو بالطبع ما أغضب واشنطن التي من خلال ماصدر عنها استقبلته بامتعاض شديد واعترفت أن الاتفاق هو تماماً لمصلحة إيران وانتصار دبلوماسي لها.‏

إن بنود الاتفاق أصبحت واضحة وتنص على أن تضع إيران 1200 كيلو غرام من اليورانيوم من أصل أكثر من ألفي كيلو غرام لديها أمانة لدى تركيا في مهلة شهر من توقيع الاتفاق مع الغرب الذي يتعهد بتسليم إيران 120 كيلو غرام من الوقود النووي في مهلة أقصاها عام من توقيع الاتفاق بضمانة البرازيل وتركيا على أن تحتفظ طهران بحقها في استرجاع اليورانيوم الخاص بها عند أي مخالفة للاتفاق المذكور.‏

أضف إلى ذلك أن الاتفاق يؤكد استمرار طهران بأنشطتها النووية بينما اتفاق فيينا بين الغرب وإيران يشترط بأن توقف طهران جميع أنشطتها النووية وفي مقدمتها تجميد مستوى التخصيب عند نسبة الـ 3.5 بالمئة بل وقف هذه العملية برمتها، بينما الاتفاق الجديد ينص على حق طهران استكمال أنشطتها النووية من بناء مفاعلات وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي وزيادة نوعيتها والمضي قدماً في تخصيبها بنسبة عشرين بالمئة.‏

بطبيعة الحال فيما لو وافق الغرب على هذا الاتفاق الجديد فهو سيحاول بلاشك تصويره على أنه فوز له، لكن لو أخضع الاتفاق لميزان الربح والخسارة من وجهة محايدة سيتبين أن طهران نجحت لحد كبير في الالتفاف على المحاولات الأميركية الإسرائيلية لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بعقوبات جديدة على طهران بعد أن أبدت كل من روسيا والصين مواقف لينة لحدما ناهيك عن أن إيران لو كانت تخشى بالفعل العقوبات لأذعنت منذ البداية لمطالب الغرب ولأوقفت أنشطتها النووية فيما الجميع يدرك أن إيران تواصل نشاطها النووي بينما الآخرون تتناوبهم الخلافات ولو بدرجات متفاوتة بشأن النووي الإيراني الذي يبحث الكل منهم لخدمة مصالحه من خلال مايبديه من مواقف حيال هذا الملف.‏

كذلك دخول تركيا والبرازيل والمصنفتان أنهما من الدول النامية على هذا الخط الساخن بكل هذا الثقل والثقة الدولية لهما يعطيهما بالحقيقة دوراً دولياً مؤثراً لكونهما تحظيان بثقل الطرفين الإيراني والأوروبي ولعل في حضور رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان شخصياً توقيع الاتفاق بعدما كان مقرراً أن ينوب عنه وزير خارجيته يعطي الاتفاق بمضمونه وزناً دولياً كبيراً ويعطي لتركيا ثقلاً فاعلاً في إزالة التوتر في المنطقة فضلاً عن كونها حليفاً اقتصادياً لإيران وخط ترانزيت لها لأوروبا وهذا مايزيد بالحقيقة من الانزعاج الإسرائيلي وعدم الرضا على هذا الدور المحوري لتركيا.‏

إن الرد الأوروبي وإن كان سلبياً كما عبرت عنه وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين آشتون بقولها: إن الاتفاق لايقدم ردوداً على كل مخاوف المجتمع الدولي، وإنه يتعين الاستمرار بشأن فرض مزيد من العقوبات على إيران على حد قول وزير الخارجية البريطاني اليستربيرت إن الولايات المتحدة لاتزال لديها مخاوف جدية من إيران على حد قول واشنطن المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غينز كل ذلك يجعل الغرب هو اليوم أشبه بحالة ضياع في مواقفه رغم أن الأمم المتحدة رأت الاتفاق مشجعاً.‏

إسرائيل كان ردها الأكثر سلبية وامتعاضاً من الاتفاق الذي وصفته بأنه يعقد الأمور أكثر لطالما أن المنشآت النووية ستواصل عملها بموجب الاتفاق في موازاة تطويرها صواريخ بعيدة المدى.‏

مجمل القول: إن دخول البرازيل وتركيا على خط الاتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي يعطي لهاتين الدولتين ثقلاً دولياً جديداً, كل في منطقته, وهذا من شأنه أن يولد بالتأكيد تراجعاً ملموساً لنفوذ الولايات المتحدة الاقتصادي والسياسي مع انتهاء عالم القطبين وحلول القطب الأميركي الواحد, كما يعني دخول البرازيل وتركيا هذا الموقع المحفز لهما في مسرح القضايا الدولية الأكثر تعقيداً تأشيرة دخول للنظر في إمكانية تغيير بنية المؤسسات الدولية وجعلها أكثر تطابقاً مع العالم وأنه يمكن التحرك دولياً دون تلك المؤسسات التي صيغت بالأساس لخدمة الأقوياء على حساب باقي دول وشعوب العالم، لأنه آن الأوان لإعادة النظر فيها من جديد بما يحقق للعلاقات الدولية التوازن المطلوب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية